أبغض الحلال؟!

منظومة علاقات العمل الجماعية «التشاور والتعاون والمفاوضة والوساطة والتحكيم والإضراب» تشبه إلى حد كبير علاقات الزواج إذا نجح الزوجان فى إدارة الزواج نجحت الأسرة وإذا نجح أطراف العمل فى إدارة مصالحهم نمى المجتمع وتطور وإذا فشلت العلاقتان فشلت الأسرة والمجتمع.

من المعروف لنا جميعا أنه حينما تنشأ خلافات عادية وبسيطة بين الزوج وزوجته يكون ذلك أمرا طبيعيا باعتبارهم بشرا ولكن حينما يشعر طرف منهم أو الطرفان معا أن الخلافات بينهم أصبحت تمثل مشكلة فإنهم يتحدثون بشأنها مع بعضهم البعض للوصول إلى حل مناسب وإذا لم يتفقا يكون ذلك بمثابة الدعوة لحكم من أهله وحكما من أهلها للتدخل للتوفيق والإصلاح بين الزوجين وإذا لا قدر اللـه فشلت المساعى ولم يتم التوفيق بينهما كانت الخطوة التالية هى الطلاق أو الخلع عن طريق المحكمة وهو الانفصال الكامل ويعد أبغض الحلال.

وإذا كان الزوجان فى العلاقات الزوجية يتحدثان معا حول المشكلة التى نشأت فالعمال وأصحاب الأعمال فى ظل علاقات العمل يتحدثون مع بعضهم البعض حول ما يواجههم من مشاكل وهو ما يطلق عليه «المفاوضة الجماعية» أما لجوء ا لزوجين إلى حكمن أهله وحكم من أهلها للتوفيق بينهما فإنه يتماثل مع لجوء أطراف العمل إلى الوساطة والتحكيم الخلاف الوحيد أن الزوجين حينما يقبلان على الطلاق يكون لك بنية الانفصال النهائى.

أما العمال فإنهم يدخلون الإضراب لفترة محددة بنية الاحتفاظ بوظائفهم بينما المفاوضة الجماعية كوسيلة للحوار ا لديمقراطى تعتبر من أهم الوسائل التى تساعد العمال وأصحاب الأعمال على إدارتهم لمصالحهم المشتركة وتبعدهم إلى حد كبير عن المخاطر والبدائل السيئة هذا ما تقول به التجربة.

ودرءا لخطر الإضراب نشأت فكرة البحث عن خيارات وبدائل أخرى تحقق المصالح المشتركة بقدر الإمكان دون دفع ثمن كبير وثبت من خلال التجربة الطويلة والمريرة أن أهم هذه الخيارات والبدائل المطروحة هى المفاوضة الجماعية وهى فى مجملها ووضعها النهائى عبارة عن حوار اجتماعى بين كيانات شرعية معترف بها قانونا وتمتلك الحق فى تمثيل أعضائها وتمارس هذا الحق فى ظل مناخ ملائم من الحريات العامة وحرية إنشاء المنظمات والاجتماع وحرية الرأى والتعبير والمفاوضة كما أسلفنا خرجت من رحم التصادم والصراع كما أنها أسلوب ابتدعته الحركة النقابية لتنظيم علاقات العمل.

والمفاوضة الجماعية كما هو واضح ليست علما فقط ولكنها مجموعة من المهارات تكتسب من خلال الممارسة وتثقل بالتدريب على فن الحوار وتمثيل الأدوار وكيفية مواجهة المواقف الطارئة واستخدام الأسلوب الأمثل للإقناع والقدرة على اختيار البدائل المناسبة ولقد تدعمت هذه الوسيلة بالتثقيف والتدريب والممارسة وبمرور الزمن باتت اليوم من أبرز سمات علاقات العمل ومن أهم آليات حل المنازعات سلميا على أرضية من الحوار الديمقراطى فى الدول المتقدمة بعيدا عن اللجوء للإضراب وهو أبغض الحلال.