منذ قيام ثورة 25 يناير ظلت الحكومات المتتابعة تتحدث عن فرص العمل الموجودة فى ليبيا ودول الخليج العربى وقيل الكثير من التصريحات عن توفر مئات الآلاف من هذه الفرص وظل عمال اليومية على أرصفة شوارع مصر ينتظرون هذه الفرص التى لم تأت.. ونأمل من الأخ خالد الأزهرى أن تأتى تصريحاته حول أسواق العمل العربية يصحبها انحصار لسوق الرجالة وهى ظاهرة انتشرت فى مصر منذ سبعينيات القرن الماضى ونتيجة لأفعال من فهموا الإصلاح علىأنه بيع للمصانع وتشريد عمال مصر وأحالوا مصر إلى سوق كبيرة يباع فيها الرجال.
عرف الشعب المصرى الأسواق منذ القدم والأسواق ظاهرة منتشرة فى الريف والمدن على حد سواء لها أيام محددة ومعلومة والأسواق كما نعلم مناسبات تنشط فيها حركة البيع والشراء والتجارة بشكل عام وما يباع ويشترى بالطبع متنوع بين منتجات زراعية ومنتجات حيوانية وأقمشة ومفروشات وخلافه.
ومن أشهر أسواق العاصمة سوق امبابة المسمى بسوق الجمعة وسوق الكانتو بالموسكى ووكالة البلح ببولاق ولم تعرف القاهرة من قبل ظاهرة سوق الرجالة إلا فى سبعينيات القرن الماضى وهى أسواق أصبحت منتشرة الآن فى معظم أحياء القاهرة خاصة مدينة نصر ولا أعرف على حد علمى مدى انتشارها فى الأقاليم المصرية.
وإذا كانت الأسواق المتخصصة للمنتجات الزراعية والصناعية أى الأسواق التقليدية لها مكان محدد ونظيف ومناسب لعرض البضاعة فإن سوق الرجالة يعكس ذلك تماما فمكان البضاعة «أسف» الرجالة هو أى رصيف على أى ناصية تحت لهيب شمس الصيف وأمطار الشتاء.
وإذا كان التجار فى السوق التقليدية لا يسمحون بلمس بضاعتهم حفاظا عليها فإن القواعد المتبعة فى سوق الرجالة تسمح بالمعاينة والتقليب قبل الشراء أو الاستخدام والبضاعة هى الأخرى لأنها حية ولها عقل يفكر فإنها تستعرض قوتها وخبرتها أمام الزبون لإقناعه أن أمواله لن تذهب هباء.
المؤلم للنفس أن البضاعة المعروضة فى هذه الأسواق الغريبة هم أبناء أشرف مهنة وهى مهنة البناء والتشييد ولكنهم لضيق اليد أو لافتقارهم للرعاية الواجبة أو لخطأ ما فى سياسات التنمية أو لتصفية تمت لعمالة دائمة أو مؤقتة فى شركات المقاولات أو لكل هذه الأسباب مجتمعة أوربما لأسباب غيرها لا أعلمها يعرضون أنفسهم فى هذه الأسواق.
المهم أن ما يستحق الرصد فى هذه الظاهرة أن القواعد التى تحكمها هى قواعد العرض والطلب وهى نفس القواعد التى يشدنا بها أنصار الخصخصة والتصفية والمنافسة ويقولون أن فيها السعادة كل السعادة للإنسان المصرى ولم نحصد منها خلال ثلاثين عاما إلا الخراب وتبدأ أولى قواعد اللعبة المحزنة بأن تقف السيارة نصف النقل فى وسط الشارع أمام رصيف السوق مباشرة فيندفع إليها عشرات الجالسين مهرولين ليعرضوا أنفسهم على الزبون.
وهنا وما دامت البضاعة كثيرة ومتوافرة فلا مانع طبقا للقاعدة المطبقة من التدقيق وتحسس العضلات والوقوف على سلامة الجسم وقوة البنية قبل الاختيار ولا مانع أيضا من عرض سعر أقل والموافقة مضمونة فى هذه الحالة ومن لم يوافق فالرجالة كثيرون وعلى قفا من يشيل.
المتبع فى العادة مع البضاعة التى تشتريها من الأسواق التقليدية أن تحملها بنفسك على يدك أو على كتفك أو حتى على رأسك لو استدعى الأمر، الغريب فى سوق الرجالة أنه يكفى أن تشير بإصبعك إلى البضاعة فتندفع مسرعة لتصعد إلى السيارة بنفسها دونما أن تبذل من جانبك أى مجهود يذكر.
ومن أقوى المشاهد الدرامية فى هذه السوق الغريبة هو مشهد تحرك السيارة تحمل البضاعة ونظرة الحسرة فى عيون من لم يقع عليهم الاختيار وعلامات الألم والحزن المرسومة على وجوههم وهم يعاودون الجلوس على رصيف الشارع فى انتظار فرج جديد أن يأتى.
إنها ظاهرة جديرة بالاهتمام والبحث عن حلول سريعة لها ففيهاالكثير من المهانة وفيها غبن شديد لهؤلاء البنائين من أبناء مصر خاصة بعد ثورة يناير.
Leave a Reply