في مصر عرفت الحركة العمالية أوج نضالها ضد سياسة تحكم وتعسف صاحب رأس المال في مصائر العمال في السنوات
الأخيرة من القرن الثامن عشر لتصبح بمثابة قوة اجتماعية جديدة تضاف لرصيد الحركة الوطنية المصرية وارتبطت في البدء بفلاحي مصر ثم انتقلت للعمال، ومنذ قام عمال تفريغ الفحم في بورسعيد بالإضراب عن العمل في عام 1882 وحددوا هدفين، الأول هو المطالبة بالحصول علي الأجر مباشرة من الشركات حيث كان العمال يشتغلون عن طريق مكاتب حرفية للفحم يديرها مقاولون أو معلمون، والثاني برفع الأجر المدفوع من الشركات الأجنبية، وبذلك فقد كان هذا الإضراب موجها ضد الشركات الأجنبية وكان لهذا الاضراب صدي لدي الحكومة المصرية، مما حدا بها آنذاك، إلي اصدار قرار بتشكيل لجنة توفيق للنظر في النظام المعمول به، وإزاء اصرار العمال علي موقفهم أعلنت الشركات الأجنبية قبولها لإلغاء نظام التشغيل للعمال عن طريق المكاتب ودفع الأجر اليهم مباشرة ولكنها رفضت المطلب الخاص بتحسين الأجور ورفعها وبذلك نجح أول اضراب عمالي في مصر بتحقيق بعض أهدافه.
ومنذ تاريخ أول اضراب عمالي محدد الأهداف في مصر وأصبح العمال رقماً مهماً في المعادلة السياسية في مصر.
عمال مصر بعد الثورة
الحركة العمالية في مصر عانت كثيراً بعد الثورة ولم يشفع للعمال وقوفهم في وجه النظام البائد بدءًا باضراب المحلة الشهير عام 2008 ونهاية بإضراب المقطورات قبل الثورة بأيام قليلة، والتي اعتبرها البعض شرارة العصيان المدني الأولي في مصر.
وعاني العمال من وطأة التعسف والإهمال وتناست حكومات الثورة وبرلمانها تطبيق قانون الحدين الادني والاقصي للأجور، كما سنت حكومة «شرف» قانونا يجرم التظاهرات الفئوية مسددة بذلك طعنة لنضال الطبقة العاملة.
الإضراب مشروع
ولعل ابرز المطالب العمالية الغاء قانون 34 لسنة 2011 والذي اعتبره البعض منهم صدمة وانتكاسة لنضالهم، يقضي القانون بتجريم الاضراب والاعتصام، الأمر الذي يثير الحنق والسخرية في آن واحد!! فهل يوجد كفاح عمالي دون اعتصام واضراب؟ وجميع النصوص والمعاهدات الدولية تؤيد حق العامل في الاضراب.
كما طالب العمال بإلغاء المحاكمات العسكرية التي تمت منذ الثورة وحتي الآن والافراج عن عمال شركات بتروتريد وسوميد ورفع الحد الادني للاجور والسماح بإنشاء نقابات مستقلة تعبر عنهم.
عاطلون عن العمل.. ثابتون علي الأمل
فيما سيطرت حالة من التشويش والانهيار علي المشهد العمالي في الفترة الأخيرة نتيجة لصراعات وتوترات عديدة منذ اندلاع الثورة بين فصائل عمالية مختلفة، وفي غضون هذه المهاترات ضاعت وحدة كيان الحركة العمالية واصبحت القيادة للبيانات وللغة الشجب والادانة فقط دون النظر إلي حل مشكلات حقيقية للمطالب الفئوية التي تؤرق عمال مصر.
والمتابع للشأن العمالي يجد أن دم العمال ووحدتهم تفرقت علي ايدي الاتحاد العام لعمال مصر من جهة، واتحاد العمال المستقل ووزارة القوي العاملة من جهة اخري.
وفي الفترة بين تنحي مبارك وسقوط رجاله وخاصة حسين مجاور رئيس الاتحاد السابق المحبوس علي ذمة قضية قتل المتظاهرين، وحتي حل الاتحاد في اغسطس الماضي شهدت أكبر حركات وموجة احتجاجية عمالية لم يكترث بها الاتحاد المستقل أو المنحل أو وزارة القوي العاملة نفسها وذهبوا لحرب التصريحات والتخوين بينهما والمظلوم في القضية هم العمال الذين لم يجدوا من يوجه غضبهم لصالح الاقتصاد.
حال العمال بين اتحادين!!
حال عمال مصر الآن مثل الثورة لا قائد لهم ولا صوت يعبر عنهم علي الاطلاق وبذلك فقدت الحركة العمالية والكيان المدافع عنهم وعن مطالبهم وبعض القيادات الموجودة الآن تعتقد أن قانون الحريات هو البناء الأصلي في تحقيق حرية العمال وهو ما لا يفهمه الكثير من البسطاء من يقف لساعات مضربين أو معتصمين باحثين عن حل سريع لتشريدهم وفقدانهم للقمة العيش والتي تحتاج إلي حل قوي من جانب الوزارة أو مقترحات الاتحاد المستقل أو مطالبات وإصرار الاتحاد الرسمي.
وحمل قيادات عمالية اتحاد العمال المنحل وقياداته الذنب الأكبر في ضياع الحركة النقابية وتفتتها لأنهم من باعوا الاتحاد للنظام السابق وجعلوا مصر قطعة سوداء في منظمة العمل الدولية ولم يكترثوا بآلام العمال وكتفوا بالتفاخر لصرفهم اعانات شهرية لنحو 20 عاملاً وتدخلاتهم الوهمية لحل مشاكل العمال، تاركين عمال مصر علي الرصيف لسنوات، كما سمحوا لأنفسهم ان يلقوا بالمعتصمين داخل اتحادهم علي السلالم ويعذبوهم.
موقف الأحزاب ومرشحي الرئاسة
أول الغيث قطرة.. هذا ما قاله أبوالعز الحريري المرشح لرئاسة الجمهورية واصفاً حال العمال بعد الثورة بأنه افضل من السابق وأن العمال نجحوا في احراز مكاسب لعل اهمها هو إنشاء نقابات مستقلة تعبر عن مطالبهم وتسعي وتحارب لتحقيقها.
ويري الحريري أن أهم انجازات الثورة للطبقة العاملة تمثلت في النقابات المستقلة التي ستمثل دوراً كبيراً في اعادة حقوق العمال والوقوف جانبهم، واضاف أن الجميع يتحدث الآن عن حقوق العمال وقريباً سيكتمل الحلم.
واضاف الحريري أن هناك أكثر من 700 ألف حالة عمالة مؤقتة تم تثبيتها، وهناك حديث لا ينتهي عن حقوق العمال في حد أدني للاجور يكفل لهم الحياة الكريمة، مشدداً علي أن ثمار الكفاح لن تجني بين عشية وضحاها.
وأكد خالد علي الناشط الحقوقي والمرشح لرئاسة الجمهورية ان ملايين العمال المصريين يستقبلون عيدهم في ظل حالة من الظلم والقهر الاجتماعي، مطالباً بتغيير قانون العمل بما يمنحهم الأمان الوظيفي ويضمن معايير عمل آدمية في مواجهة رجال الأعمال الذين يستغلون انتشار البطالة ويجبرون العمال علي التوقيع علي استمارة «6» أو ايصالات أمانة عند بداية عملهم، حتي يتمكنون من فصل العمال دون منحهم أي حقوق أو تمكينهم من رفع دعاوي قضائية.
واشار علي إلي أن الثورة ستكون بلا قيمة إذا اخفقت في توزيع عادل للثروات في المجتمع، وحينما يشعر الحرفي والمزارع بوجود من يدافع عن حقوقهم ويسترد الثروات المنهوبة من يد رجال السلطة.
من جانبه يقول القيادي العمالي ناجي رشاد صاحب الحكم في قضية الحد الادني للاجور أن العمال تم تهميشهم أكثر من جانب القوي السياسية بعد الثورة، وبدأ تنظيم مخطط ضد الحركة العمالية ظهر في عدم اختيار أي ممثل عمالي بالمجلس الاستشاري، كما انتهج هذا الفكر ائتلافات شباب الثورة التي اقصت التمثيل العمالي وغاب العمال عن جميع الانشطة عقب الثورة.
وقال رشاد إن ما يحدث من جانب القوي السياسية تجاه العمال، يعود إلي انكار ذاتهم وأن العمال ليسوا واجهة تليفزيونية ولا يسعون للشو الإعلامي كما تفعل الرموز السياسية وشباب الثورة بخلاف أن النخبة تنظر للطبقة العاملة بنوع من الطبقية رغم روح الثورة التي من المفترض أن تكون وحدة الجميع تحت لواء المطالبة بالعدالة الاجتماعية.
فيما يري المهندس أحمد بهاء الدين شعبان وكيل مؤسسي الحزب الاشتراكي المصري أن حزبه شديد الصلة بالحركة العمالية، مشيراً إلي وجود التباس في العلاقة بين الحركة العمالية والحركة السياسية، حيث لم يكن هناك دفاع حقيقي من جانب الأحزاب عن قضايا العمال ولم يكن الأمر سوي استخدام لهذه القضايا من أجل المصلحة السياسية.
وقسم ثورة 25 يناير إلي قسمين، أحداث 25 يناير التي يري فيها أنها الموجة الاحتجاجية الأولي وأنها جاءت نتاجاً لحالة التردي التي عاشتها مصر لأكثر من ثلاثين عاماً وإن سبقتها حركات احتاجية أخري كحركة كفاية وحركة القضاء وحركة أساتذة الجامعات.
وأوضح شعبان أن الموجة الاجتماعية الاحتجاجية الثانية التي تسبب فيها التباطؤ في إجراء اصلاحات جذرية بعد الثورة، قد تم قمعها من خلال مرسوم تجريم الاضرابات والاعتصام، وأكد بهاء أن حزبه برئ من التهمة التي تنعت بها الأحزاب وهي البعد عن القضايا العمالية، مدللاً علي ذلك ببرنامج الحزب وتبنيه لكافة المطالب العمالية المتفق عليها، مثل اطلاق قانون الحريات النقابية وتحديد حد أدني وأقصي للأجور، وبحسب رؤية الحزب يعمل البرنامج علي إعادة بناء الهياكل الزراعية والصناعية مع الحفاظ علي الموارد الطبيعية والبشرية وذلك من خلال تنمية إنسانية شاملة، كذلك يستهدف البرنامج زيادة نسبة العمال ضمن أعضاء الحزب، كما أن قيادة الحزب تضم قيادات عمالية معروفة.
جذوة نيران لن تنطفي.. هذا ما وصف به خالد تليمة أمين اتحاد الشباب الاشتراكي لحزب التجمع، نضال العمال، وأكد تليمة أن حال العمال بعد ثورة يناير لم يتغير كثيراً وأنهم قدموا تضحيات وشهداء ليس بحثا عن رفاهية لهم ولكن لتحقيق العدالة الاجتماعية والعيش والحرية والكرامة الإنسانية، وأصبحوا سطرا مهما في صفحة الثورة المصرية، مضيفاً أن عيد العمال يأتي هذا العام وما من شيء جديد يلوح في الأفق سوي بعض النجاحات وصفها التقرير بأنها لا تسمن ولا تغني من جوع.
وأوضح «تليمة» أن عمال مصر سجلوا رقما قياسياً جديداً في الاحتجاجات العمالية والتي وصلت إلي 1398 احتجاجاً خلال عام واحد بدءاً من العام مايو الماضي وحتي نهاية شهر إبريل هذا العام.
Leave a Reply