صفحة الثقافة العمالية تقبل النقد والإضافة..
إعداد: محمد رزق
تنفيذ: محمد جادو
الثنائيات التعسفية:
لو تصادف ورماك حظك العثر وشفت البرامج الحوارية على شاشة التليفزيون عربية أو حتى مصرية حتشوف صراع الديكة وحتسمع العجب، حتسمع صراخ وألفاظ سوقية متدنية إلى أبعد الحدود، كل فريق من المتحاورين يصف الآخر بالخيانة والعمالة وأحيانا بالجهل ولو أسعدك الحظ أكثر حتشوف معركة بينهم بالأيدى، كل فريق منهم يعتقد أنه الأوحد الذى يملك الحقيقة كاملة ولن تسمع فريق بيقول للفريق الآخر والله عندك حق فى النقطة دى.
والمضحك أن كل الجمهور اللى قدام الشاشة الصغيرة يعرف مقدما أن ضيوف البرنامج سوف يبدأون اللقاء مختلفون وينهونه أكثر اختلافا عن ذى قبل.
السبب فى هذه الحالة هو سيادة منطق الثنائيات التعسفية، وهى ليست مرضا عضويا له ظواهر وله أسباب وأعراض ولكنه فكر خاطئ وسلوك غير قوي لا يؤمن بتكامل الأدوار فى مسيرتنا إلى المستقبل وأصبحت تغلب على حياتنا الثنائيات المتصارعة الدائرة على حلبة الأفكار والعقائد بين ثنائيات عديدة.
عبد الناصر .. ولا سعد زغلول!
الحزب الوطنى .. ولا حزب التجمع!
الحزب الناصرى .. ولا الوفد!
الرجل .. ولا المرأة!
وتعالوا نوسع الحكاية شوية ونشوف المتطرفين وده نوع ثانى من البشر يعتقدون أنهم خلفاء الله فى أرضه وأصحاب الجبروت وأنهم المركز الذى يدور الكون كله من حوله وأن الأرض سوف تتوقف عن الدوران إذ لا سمح اللـه امتنعوا بأن يخطوا بأقدامهم الشريفة عليها، يسعون إلى تعطيل أهم ملكة وهبها الله للإنسان وهى نعمة العقل تراهم يزعمون – دون حرج – أنهم يمتلكون الحقيقة كاملة ولا يسمحون بالاختلاف معهم ولو بنسبة 1% يرفضون الاعتراف بالأخر فالأخر دائما على باطل إذا تحركنا نحو الأفضل وحدث إنجاز ما قالوا إن اقتراحاتهم النيرة هى السبب، وإذا لا قدر اللـه أصابتنا مصيبة قالوا إن دعواتهم علينا قد استجاب لها اللـه لا يطيقون القيم المصرية الأصيلة كالتعايش والتسامح وآداب الحوار وحق الاختلاف، يصابون بالحساسية والارتكاريا عند سماعهم كلمة الوحدة الوطنية، ولأن التنظيم النقابى جزء من المجتمع يعيش نفس المناخ فقد “نشعت” هذه الثنائية على الأوضاع النقابية وتسمع فى اللجان النقابية من أعضاء المجلس هيئة المكتب مش قايمة بدورها وتسمع من هيئة المكتب أن أعضاء المجلس غير نشطين واطلع شوية حتلاقى الكلام نفسه بيتقال فى المستويات الأخرى، أما على مستوى شركاء العمل أصحاب الأعمال والنقابات توجد ثنائية أزلية [يا ترى الأهمية لصاحب الفلوس ولا لعنصر العمل] وامتدت هذه الثنائية المرضية إلى ما بين القيادات النقابية ذاتها، عند التنافس على المواقع المهمة، وأدى الأمر إلى عدم انصياع البعض للقواعد والتقاليد الذى تحكم سلوك الجماعة النقابية تحت وهم الزعامة أو البطولة أو حسابات المصالح الخاصة وده زود التوتر وخلق خلافات ووشايات وتآمر واتهامات ورفع من شأن أصحاب المهاميز (جمع مهموز) الذين يفسدون العمل النقابى وفى وسط الزحمة نال من سمعة وكرامة قيادات نحترمها ونجلها وهو ما يتعارض مع تراث الخبرة الذى اكتسبته الحركة النقابية عبر تاريخها النقابى الطويل، فى الماضى كان يحدث التنافس ولكن بشكل مختلف، حينما يكون هناك موقع مهم شاغر يسعى كل طرف من المرشحين لشغل الموقع بإقناع الطرف الآخر إنه الأفضل لتولى الموقع ويدور الجدل “لأ أنت الأفضل” إلى أن يتدخل الزملاء لإقناع طرف بالقبول بالموقع ولكن المناخ اتغير، وبقى فيه معضلة اسمها “دعم الاعتراف بالآخر”، وهى مشكلة للأسف تواجه مجتمعنا وعلاقات العمل فى مصر تتأثر بهذه الظاهرة السلبية.
ولذلك أمثلة كثيرة:
كلنا يعلم مدى أهمية عنصر العمل فى العملية الإنتاجية ولكن صاحب العمل لا يعتبر النقبة الممثل الشرعى لهذا العنصر شريك فى العمل ولا يرضى بالحوار معها حول مطالب من تمثلهم وهم العمال، ومنهم من يسعى جاهدا إلى حرمان العاملين بالمنشأة من حقهم الطبيعى فى تشكيل لجنة نقابية ترعى مصالحهم.
وخد عندك. يوجد بمدينة العاشر من رمضان 1400 منشأة وما زال عدد اللجان النقابية بها لا يتجاوز 30 لجنة نقابية رغم الجهد الضخم الذى تبذله القيادات النقابية لتشكيل لجان نقابية بالمدينة تتناسب مع حجم المنشآت.
وأيضا قيادات قطاع الأعمال العام تضع نفسها مختارة داخل هذه الدائرة وتتصرف فى المنشآت التى تديرها وكأنها المالك أو الوارث الوحيد لها، ترفض المشاركة ولا تعترف بالآخر اللى هيا النقابات وتخلص النزاعات والتوترات والأزمات والصراعات.
المناخ العام معظمه تلوث بهذه الثنائية:
وتعالى نشوف المشهد النهاردة فيه تنافر وتباعد وجزر منفصلة ومغلقة فى الوقت اللى الأمر فيه يحتاج إلى حوار لا يميز بين أبناء البلد الواحد على أساس من دين أو عرق أو نوع يحترم حق الاختلاف يدعم المشاركة ويأكدها على أساس من التسامح السياسى والاجتماعى والدينى، يسمح بالاجتهاد والتجريب والبحث ويرى فى الاجتهاد إبداع وفى البحث ابتكار، مجتمع يرفض التعصب لأنه بوجود التعصب ينتفى التسامح ولا يكون هناك معنى للحوار ولا معنى لحق المواطنة كمان، وتبقى كارثة لو كان التعصب يتعلق بمسألة دينية مثلا السيناريو حيبقى متوقع طبقا للتجربة الحالية.. أولا: يتم احتكار الحقيقة والمعرفة بشكل كامل ثم يأتى بعد ذلك التكفير ثم طلقات الرصاص وأخيرا قنابل الارهاب كنتيجة حتمية، يعنى الحوار يستبدل بالإملاء، والمجادلة بالتى هى أحسن التى تنص عليها كل الرسائل السماوية إلى الإخافة بالتى هى أقمع.
وتعالوا نستعين بالإمام الشافعى رضى الله عنه ونشوفه قال إيه فى الموضوع ده.. قال: ((رأيى صواب يحتمل الخطأ وأى غيرى خطأ يحتمل الصواب)) وقال كمان: ((ما تحاورت مع أحد حتى لو كان من تلاميذى، إلا وتمنيت أن يكون هو على صواب وأنا على خطأ)). وقال كمان: ((هذا اجتهادى خذوا منه ما ينفع الناس وألقوا بالباقى عرض الحائط)). هذا هو الإمام الشافعى بجلالة قدره وعظمته لا يدعى أنه يملك الحقيقة كلها ويطلب منا أن نجتهد وأن نأخذ من كلامه ما ينفع الناس واحنا فى ظل هذه الثنائية البغيضة متصورين أن كلامنا كله صح ولا نسمح بالخلاف معنا حتى فى 1% مما نقول وكأن الكلام اللى بنقوله أصبح من المعلقات التى لا يجوز الاختلاف حولها ويجب تقبلها كما هى وعلى الآخرين أن يعدوا لها البرامج لتنفيذها دون تفكير أو إبداء الرأى فيها، ده كلام عايز مواجهة بصوت عالى مش كده ولا إيه؟
أما أصدقائنا أصحاب الأعمال فنحن نهمس فى أذنهم:
لقد شهدت البشرية عدة مذاهب توضح شكل سلطة الدولة ومدى الحرية التى يمارسها الأفراد والمتابع يلاحظ بسهولة أن بعض رجال الأعمال يبشرون بميلاد جديد للمذهب الفردى أى الرأسمالية بشكلها القديم الذى يقوم على تمجيد الفرد وينظر للسلطة على أنها فى خدمة الأفراد لأن الفرد طبقا لأصولها النظرية سابق على الجماعة لأنه فى البدء وجد الإنسان حرا وأن الطبيعة مصدر حريته، لذلك فهو يسمو على الجماعة.
والنشاط الفردى فى ظل هذا المذهب هو أساس النظام الاقتصادى والاجتماعى والسلطة لا تتدخل من أجل تعديل هذا النظام، أو الأخذ بيد الضعفاء، أو إعانة الفقراء لأنه لا يصح للدولة أن تغير من قوة تواجه سلطة الدولة وتعارضها ويتحدد دور الدولة فقط فى رد العدوان الخارجى، وإقرار الأمن الداخلى، وهذا الموقف من رجال الأعمال المصريين (شركاء العمل) أو من معظمهم يؤكد أنهم غير مدركين للتغير الذى حدث فى البيئة الاقتصادية العالمية الحالية لذلك تراهم ما زالوا متمسكين بشكل (سلفى) إذ جاز التعبير بنظرية الدولة الحارسة التى كانت موجودة فى ظل الرأسمالية القديمة اللى حكمت العالم فترة من الزمن وعلا فيها سلطان الإرادة المنفردة لأصحاب الأعمال فى علاقات العمل وأدى تطبيقها إلى مساوئ اجتماعية كثيرة وخطرية والتى لم تصمد أمام التطورات الاقتصادية والاجتماعية والقيم الدينية وظهور المبادئ الإنسانية التى تدعوا كلها إلى إقامة العدالة واحترام حقوق الإنسان وأدت إلى هجرة نظرية الدولة الحارسة تماما وإلى غير رجعة.
وتمسك بعض رجال الأعمال المصريين بهذه النظرية بقولهم المأثور (من حكم فى ماله ما ظلم) وبالتالى رفضهم لفكرة التشاور والتعاون وتحريم إنشاء لجان نقابية فى منشآتهم واعتبار جلوس أى نقابى معهم على مائدة مفاوضات كارثة محققة لا يساعد أبدا على إحداث التنمية ولا يصور السلام الاجتماعى ولا يتفق مع القانون ولا مع الاتفاقيات الدولية.
إحنا بنرحب برجال الأعمال ونأمل ألا ينصب اهتمامهم فقط على عملية التراكم الرأسمالى يعنى جمع الفلوس وخلاص دون النظر إلى مسئولياتهم الاجتماعية وما تعنيه كلمة الوظيفة الاجتماعية لرأس المال بتدعيم الجهود الشعبية والرسمية فى التنمية كما يحدث فى العالم كله لخلق صورة ذهنية جيدة لهم عند المجتمع بإسهامهم فى النشاط الاجتماعى زى التعليم والصحة والإسكان والأمن الغذائى.
لذلك من الأفضل لأصحاب الأعمال والعمال والنقابات العمالية والمجتمع كله أن يتخلى بعض أصحاب الأعمال عن الأفكار الرجعية (فكرة إعلاء سلطان الإرادة المنفردة فى علاقات العمل)، وأنهم الطرف الأقوى والأوحد دون النظر للمصالح المشروعة للعنصر الأهم وهو عنصر العمل.
وطبعا الحال مش حينصلح بين الأطراف إلا بالاعتراف المتبادل، وبتفعيل المقترحات والتوصيات التى يبديها العمال حول الإنتاج وجودته ورفع كفاءة الآلات والمعدات التى تأتى على خلفية إحتكاكهم المباشر بالتشغيل وهذا ما يجعلهم الأجدر على اقتراح وسائل التطوير وزيادة أرباح رجال الأعمال وتقدم المنشأة وازدهارها بما يعود على العمال بالنفع والاستقرار وتحقيق الهدف الأسمى وهو ازدهار الصناعة ككل يعنى التفاوض حول المصالح المشتركة: الإنتاج وجودته لصاحب العمل، وحصول العمال على حقوقهم ورفع مستواهم الاجتماعى ودى عملية أخذ وعطاء.
إن أهم علاج لنزاعات العمل ولحل مشاكل مصر كلها يكمن فى تقبل الأفكار الجديدة المناسبة ومن لا يتقبل الأفكار الجديدة فقد حاسة السمع والبصر والبصيرة، وأصبح مجرد آلة لا تفكر إلا فى اتجاه واحد مستبد، تحمل فى رأسها عقلا عقيما غير قادر على العطاء.
طولنا شوية والكلام خدنا وفاضل سؤالين:
الأول الجيش الكبير ده من النقابيين اتشكل عشان يعمل إيه؟
الإجابة ومن غير فلسفة عشان يحقق أهداف التنظيم النقابى إللى هى تطلعات وآمال عمال مصر وما دام الحكاية كده لازم تبقى قياداته عارفة العمال عايزه إيه.
العامل عايز أجر يكفيه وأمن وظيفى وأنه ميتعرضش للفصل وعايز كما رعاية طبية وحماية من الإرهاق والمرض وعايز فرص للتقدم والترقية بقدر جهده ومهاراته يعنى ينفتح قدامه باب الأمل وعايز كمان معاملة حسنة ويحس بقيمته كبشر ويشعر بأن كرامته مصانة ويرتفع مستواه الثقافى والمهنى وعايز نظام تأمينات يضمن له حياة كريمة بعد خروجه على المعاش يعنى باختصار تحسين شروط العمل بجانب ظروف العمل والظروف يعنى بيئة عمل مناسبة يعنى السلامة والصحة المهنية واللى عايزه العمال حتلاقيه بالتمام والكمال أهداف التنظيم النقابى الواردة فى قانون النقابات .. السبب إن الأهداف مش تأليف المشرع، دى حصيلة تراث تاريخى ونضالى طويل ساكنة فى وجدان العمال والنقابيين حتى لو كانوا لم يقرأوا قانون النقابات العمالية الحالى أو حتى المتقرح إصداره.
يعنى الجيش الكبير ده من القيادات النقابية حيقدر ينفذ الأهداف والأحلام ويرعى المصالح ويحافظ على الحقوق العمالية بسهولة ويسر وبمجرد التواجد سبق وقلنا أن المهابة تساوى معلومات والمعلومات تساوى مهارة والمهارة مسألة ضرورية لأى قيادة نقابية وللمرة الثانية فيه حكاية رائعة وشهيرة تروى عن الإمام الشافعى رضى اللـه عنه، توضح حكاية المهابة دى .. الراجل المعمم المقمش الطول بعرض الشاسيه.. يعنى اللى دخل على الإمام الشافعى رضى الله عنه وأرضاه وهو جالس فارد رجله قدامه واحتراما للرجل لم الإمام رجليه، ولأن الإمام يعرف كويس إن الرجل يظل مهابا حتى يتحدث قال للرجل: تحدث حتى أعرفك، وعندما تحدث الرجل المعمم المقمش الطول بعرض، الشاسيه، اكتشف الإمام أن الرجل أقرب إلى الجهل منه إلى العلم، قال الإمام قولته المشهورة (آن للشافعى أن يمد رجليه) فى الحال فقد الرجل مهابته ولم تنفعه الملابس الفضفاضة غالية الثمن ولا طوله ولا عرضه يعنى القيادة النقابية لازم تتسلح بالمعلومات والمعرفة ومتقولش أى كلام لا يقدم ولا يأخر عند مناقشة أى قضية عمالية سواء مع جماهيرها أو مع أصحاب العمل عشان ما حدش يمد رجليه فى وشها وتفقد المهابة.
Leave a Reply