الخلاف فى الرأى دعوى للحوار
منظومة علاقات العمل الجماعية.. التشاور وتبادل المعلومات مرورا بالمفاوضة الجماعية والوساطة والتحكيم والإضراب وصولا إلى عقود العمل المشتركة وهى الهدف الأسمى لعلاقات العمل، وعلاقات العمل بهذا الشكل تشبه (علاقات الزواج).
إذا نجح الزوجان فى إدارة الاستمرار فى الزواج نجحت الأسرة وأنجبت أبناء صالحين يرفعون من شأن الوطن، وإذا نجح أطراف العمل فى إدارة مصالحهم نجحت المنشآت وتطورت واذدهرت ونمى المجتمع وتطور وإذا فشلت العلاقتين فشلت الأسرة وفشل المجتمع.
من المعروف لنا جميعا أنه حينما ينشأ خلاف ما بين الزوج وزوجته من الطبيعى أن يتحدثون مع بعضهم البعض بشأن هذا الخلاف للوصول إلى حل مناسب يرضى الطرفين ويحافظ على استمرار الأسرة.
وإذا لم يتفقا يكون ذلك بمثابة الدعوة لحكم من أهله وحكم من أهلها للتوفيق والإصلاح تنفيذا لأمر اللـه تعالى (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق اللـه بينهما) صدق اللـه العظيم
وإذا لم يتم التوفيق بينهما وفشلت المساعى.. الخطوة التالية هى الطلاق أو الخلع وهما (أبغض الحلال).
وإذا كان الزوجان فى العلاقة الزوجية يتحدثان معا حول المشكلة التى نشأت بينهم فالعمال وأصحاب الأعمال فى ظل علاقات العمل التى تربطهم يتشاورون مع بعضهم البعض حول ما يواجههم من مشاكل بالمفاوضة الجماعية، إما لجوء الزوجين إلى حكم من أهله وحكم من أهلها للتوفيق بينهما فإنه يتماثل مع لجوء أطراف العمل إلى الوساطة والتحكيم وذهاب الزوجين إلى المحاكم من أجل الطلاق أو الخلع يتماثل مع لجوء العمال إلى الإضراب وهو أيضا أبغض الحلال.
الفرق الوحيد الجوهرى:
أن الزوجين حينما يقبلان على الطلاق يكون ذلك بنية الانفصال النهائى أما العمال فإنهم يدخلون الإضراب لتحسين شروط التفاوض ولفترة محدودة بنية العودة للعمل والاحتفاظ بوظائفهم.
الإضراب ليس هدفا فى حد ذاته ولكنه وسيلة:
يمارس فى إطار منظومة متكاملة لعلاقات العمل يتم اللجوء إليه فقط لتحسين شروط المفاوضة الجماعية.
والإضراب ليس عنفا أو تخريبا يتطلب نزول الجيش إلى الشارع لفضه ومن يمارس العنف أو التخريب سوف يعاقب بصفته مخربا وليس بصفته مضربا سلميا ومن الممكن أن يسجن بأمر القانون ومنع الإضراب كآلية فى منظومة علاقات العمل هو الوضع الأسوأ رغم تعبير (أبغض) الذى أطلقناه، فالناس فى ظل المنع يمارسون إضرابا آخر أكثر قسوة وهو الإضراب الصامت بالتكاسل فى العمل أو تقديم خدمة رديئة وإنتاج سيئ أو رفع شعار (على قد فلوسهم)، والإضراب فى هذه الحالة يعد وسيلة تعبير سلمية يمثل علاجا لهذا الخلل والعلاج خير من استفحال المرض مهما كان طعم الدواء مرا.
معايير الإضراب:
أولا: المعيار العددى
وهو قيام عدد محدود من العمال بالإضراب، ومن عيوبه أنه لا يعطل المنشأة ولا يمثل قوة ضغط مؤثرة قادرة على استخلاص مطالب العمال بل هو أقرب إلى الامتناع عن أداء العمل والغياب بدون إذن يعاقب عليه القانون ولا ضمانات فيه لدفع أجر أيام الإضراب.
ثانيا: المعيار الموضوعى
أن يكون إعلان الإضراب وتنظيمه من خلال المنظمات النقابية لأن الإضراب لا تتوافر له عناصر النجاح إلا إذا قامت به جماعة منظمة بناء على اتفاق مسبق ومدبر ومعلوم للطرف المقابل وأجريت بشأن مطالب الإضراب مفاوضات جماعية ولم تنجح.
و الإضراب ليس عملية فتح بخت أو رمية زهر طاولة أو تفنيطة كوتشينة أو ربط مستقبل عمال مصر بقراءة فنجان قهوة.. ولكنه يحتاج إلى تدابير أهمها وجود صندوق لتمويل الإضراب وتقدير موقف سليم وقدرة على التنظيم وتأنى وصبر إلى أبعد الحدود حيث نجاح الإضراب فى تحقيق مطالب العمال مسألة مهمة باعتباره المحطة الأخيرة التى يلجأ إليها العمال بعد فشل البدائل الأخرى.
من ضوابط الإضراب المهنى:
• عدم غلق أبواب المصنع.
• عدم منع أى من العاملين من الدخول أو الخروج.
• عدم منع للخامات من الدخول.
• عدم منع خروج المنتج النهائى.
• أيام الإضراب أجازة بدون أجر.
• المسئول عن دفع الأجر هى النقابة باعتبارها المسئولة عن قرار الإضراب.
بعض من أشكال الإضراب المتعارف عليها:
• الإضراب الذى تسبقه مفاوضة حول مطالب جديدة.
• الإضراب الدفاعى للحفاظ على مزايا قائمة يريد صاحب العمل إنقاصها.
• الإضراب الدائرى فى قطاع أو قسم أو إدارة.
• إضراب (الهمة) الذى يتمثل فى العمل بدقة وبطء تثير الملل وتصل إلى حد إيقاف دولاب العمل بحجة الإجادة فى العمل.
• الإضراب التعبيرى بوضع لافتة من لون ما على صدر العمال أثناء عملهم تعلن عن سخطهم على الأوضاع.
• الإضراب التضامنى وهدفه إظهار التضامن مع زملاء آخرين مضربين فى مكان آخر للفت نظر الرأى العام لمطالبهم للضغط على الحكومة أو صاحب العمل لتلبية مطالبهم المشروعة.
القضية الأخطر:
الخلط الواضح فى الفترة الأخيرة بين التظاهر السياسى الذى نص عليه الدستور المصرى والذى تقوم به كمواطن يستيقظ صباحا ليشارك فى مظاهرة أو فى مواكب تطالب بالتعبير سواء كان سياسيا أو اقتصاديا أو اجتماعيا ولا يتعلق من قريب أو بعيد بصاحب العمل وهو يختلف تمام الاختلاف عن الإضراب المهنى تحت سقف المصنع بهدف تحسين شروط وظروف العمل ونستطيع القول أن المرجعيات الدستورية والمعايير الدولية تفرق تماما بين الاثنين.
وعلى سبيل المثال:
فى مجال التظاهر السياسى.. نصت الدساتير على أن (للمواطنين حق الاجتماع فى هدوء غير حاملين سلاح دون حاجة لإخطار سابق ولا يجوز لرجال الأمن حضور اجتماعاتهم الخاصة والعامة، والمواكب والتجمعات مباحة فى حدود القانون).
وفى قول آخر (للمواطنين حق تنظيم الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية غير حاملين سلاح) ويكون ذلك بناء على إخطار ينظمه القانون وحق الاجتماعات الخاصة مكفول دون إخطار ولا يجوز لرجال الأمن حضورها أو التنصت عليها.
وكل هذه النصوص جاءت فى باب الحقوق المدنية والسياسية.
أما نصوص الإضراب المهنى فى الدستور جاءت كالتالى (الإضراب السلمى حق ينظمه القانون) تحت باب الحقوق الاقتصادية والاجتماعية تنفيذا للعهد الدولى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الذى أكدت مواده على أن الإضراب حق للعمال يمارس طبقا لقانون القطر المختص وصدقت عليه الدولة ونشر فى الجريدة الرسمية فى الثامن من ابريل 1982.
وهنا يتضح الفرق الكبير بين التظاهر السياسى والإضراب المهنى والخلط بينهما عن عمد فى بعض الأحيان سبب الكثير من المشاكل وأفسد إلى حد ما علاقات العمل الجماعية بين أطراف العمل وربما كان أحد أسباب غلق أكثر من 4600 مصنع وتسريح أكثر من 40 ألف عامل وهذا ما يجب علينا تجنبه فى مرحلة البناء بعد ثورة 30 يونيو 2013، بالتفريق الواضح ووضع الحدود الفاصلة بين التظاهر السياسى الذى تقوم به كمواطن والإضراب المهنى الذى يقوم به العمال تحت سقف المصنع بعد استنفاذ منظومة علاقات العمل الجماعية .
ولا شك أن التظاهر حق للمواطن نصت عليه الدساتير المصرية ومعايير العمل الدولية ومبادئ حقوق الإنسان وجسدته فى الضمير المصرى ثورتى 25 يناير و30 يونيو هذه حقيقة مؤكدة لا خلاف عليها ولكن:
حول الأسلوب والضوابط تثور العديد من الأسئلة :
• هل هو وسيلة تعبير حضارية تبنى وتصحح ؟
• أم هى فوضى تطيح بمقدرات الوطن ؟
• هل يحتاج حق التظاهر السلمي إلى قانون ينظم ولا يمنع كما هو حادث فى كل دول العالم ؟
• هل هناك فرق بين مظاهرات الميادين فى 25 يناير و30 يونيو التى تحولت إلى ثورة بعد خروج الملايين إلي الشوارع اسقطت القانون والدستور وفرضت التغيير، والتظاهرات السلمية التى تسعى فقط إلى التصحيح يخرج فيها عدة آلاف فقط ؟
• هل مظاهرات الإخوان التى لا تعترف بالدولة سلمية ؟
• هل تنظيم المظاهرات عن طريق الرشاوى سلمية ؟
• هل قطع الطرق والاعمال الإجرامية مثل حمل السلاح وترويع المواطنين بهدف تعطيل خارطة الطريق سلمية ؟
• هل تسطيع قوات الأمن ان تؤمن عده مظاهرات فى القاهرة والمحافظات دون وجود قانون تعلم من خلاله إخطار بالميعاد ومكان المظاهرة حتى تتمكن من حمايتها ؟
والسؤال الأكثر أهمية الذى نوجهه للإخوان والثوار والدولة :
هل المادة 86 من قانون العقوبات كافية ولا توجد ضرورة لقانون ينظم حق التظاهر التى تنص على :
(يقصد بالإرهاب فى تطبيق أحكام هذا القانون كل استخدام للقوة او العنف او التهديد او الترويع، يلجأ اليها الجانى تنفيذا لمشروع اجرامى فردى او جماعى بهدف الاخلال بالنظام العام او تعريض سلامه المجتمع وامنه للخطر، إذا كان من شأن ذلك إيذاء الأشخاص أو القاء الرعب بينهم او تعريض حياتهم او حرياتهم او امنهم للخطر او الحاق الضرر بالبيئة، او بالاتصالات او المواصلات او بالاموال او بالمبانى او بالاملاك العامة والخاصة او احتلالها او الاستيلاء عليها او منع او عرقله ممارسة السلطات العامة او دور العبادة او معاهد العلم لآعمالها.
وكل هذه الخطايا تمارس يوميا وتصل الى ذروتها فى ايام الجمع من كل اسبوع. وتجد من يدافع عن هذا النوع من المظاهرات تحت شعار لولا المظاهرات ما كانت الثورة ولولا الثورة ما كان الجالسين علي كراسي الحكم موجودين.
والسؤال الأخير للقوي الثورية؟
هل الإخوان بمظاهراتهم وممارساتهم لكل أنواع العنف.. يعدون لثورة جديدة؟ وهل ندعم هذا النوع من المظاهرات علي أنها ثورة يترك لها الحبل علي الغارب كي تكتمل، أم ندعم النهوض بالدولة بخارطة الطريق المتفق عليها بين القوي الوطنية وفرضتها ثورة 30 يونيو.
ولا شك أن الإجابة الصحيحة المخلصة لن تنحاز أبدا إلي مظاهرات العنف ولن تعطي المبررات لاستمرار مظاهرات عدة آلاف باعتبارها مشروع ثورة علي ثورة 30 يونيو.
المرجع: كتاب العدالة الاجتماعية
عبد المنعم الجمل
محمد رزق
Leave a Reply