الباخرة كليوباترا . . إرادة وانتصار
من الأحداث ذات الدلالة العميقة على تأجج الشعور القومى العروبي وتصاعد المد الوحدوي عقب حرب السويس 1956م كانت تلك الحادثة التى أسدلت عليها ستائر التاريخ حتى كادت أن تذهب في طى الكتمان، ألا وهى حادثة الباخرة كليوباترا .
في 26 فبراير 1959م قامت السلطات في الجمهورية العربية المتحدة بمصادرة سفينة ليبيرية في ميناء بورسعيد كانت تحمل بضائع إسرائيلية إلى سيلان، وتكرر نفس الأمر مع سفينة تحمل علم ألمانيا الغربية، فقدم الجانب الإسرائيلي شكوى إلى مجلس الأمن الدولي، وكان المجلس قد طالب مصر مرتين في عامي 1951م و 1956م بالسماح لإسرائيل بالمرور في قناة السويس، وفي 21 مايو 1958م تمت مصادرة سفينة دانمركية تحمل بضائع إسرائيلية، وحاول الأمين العام للأمم المتحدة التوسط في الأمر، وقام بزيارة القاهرة، والتقى بالرئيس «عبد الناصر»، فسمحت الجمهورية العربية المتحدة برحيل السفن المصادرة، بعد إفراغ حمولاتها، وقد ساعد على ذلك قرار البنك الدولي بمنح الجمهورية العربية المتحدة قرضًا يخصص لإصلاح وتوسيع مجرى قناة السويس لكن القاهرة لم تعط أية وعود تقضي بالسماح لإسرائيل بالمرور في القناة، وخير دليل على ذلك ما قامت به من مصادرة الباخرة اليونانية «أستيباليا» التي كانت تحمل بضائع إسرائيلية، وذلك عقب توقيع الاتفاق مع البنك الدولي بخصوص توسيع مجرى القناة وبات واضحًا أن «عبد الناصر» لم يقبل المساومة والتي جاءت بشكل غير مباشر، مما أثار استياء إسرائيل، وجعلها تعيش تحت وطأة حصار بحري خانق، فقررت الضغط على «عبد الناصر» لإجباره على رفع الحصار عن البضائع الإسرائيلية المارة في القناة، فجاءت حادثة الباخرة «كليوباترا» محصلة لكل هذه العوامل.
بدأ الأمر بحملة دعائية قادها «بن جوريون» بنفسه في الولايات المتحدة أثناء زيارته لـ «نيويورك» أعقبها التخطيط لعمل يتم الرد من خلاله على سلوك الجمهورية العربية المتحدة تجاه السفن والبضائع الإسرائيلية كبداية لمقاطعة كل ما هو عربي، وفي 13 أبريل 1960م أتت جهود «بن جوريون» واللوبي الصهيوني ثمارها، ففي هذا اليوم امتنع عمال الشحن في ميناء نيويورك عن التعامل مع الباخرة “كليوباترا” التابعة للجمهورية العربية المتحدة، وتملكها شركة «البوستة الخديوية»، وبالفعل أضرب العمال عن تفريغ الباخرة، وتناوبوا الوقوف على رصيف الميناء لمنع أية محاولة لتفريغها، بدعوى أن المقاطعة العربية للسفن التي تحمل بضائع إسرائيلية، ووضع السفن الأمريكية التي تتعاون مع إسرائيل في القائمة السوداء يؤثر عليهم ويعرضهم للتعطل، وأقامت شركة «البوستة الخديوية» دعوى مستعجلة أمام المحكمة الفيدرالية الأمريكية، ولكن المحكمة رفضت إصدار أمر عاجل إلى عمال الميناء، وأصدرت قرارًا بالرفض اعتمادًا على ما زعمه اتحاد البحارة الأمريكيين بأن بعض أعضائه فقدوا أعمالهم بسبب مقاطعة الجمهورية العربية المتحدة للسفن الأمريكية التي تتعامل مع إسرائيل.
وقد أكد وزير الخارجية «ديلون» في خطابه إلى رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي أن المقصود من مقاطعة الباخرة كليوباترا هو ممارسة الضغط السياسي على الجمهورية العربية المتحدة لرفع الحصار عن البضائع الإسرائيلية المارة في قناة السويس مما ينفي عن المسألة وجود أي نزاع عمالي، ويكشف النقاب عن الهدف السياسي المرجو من وراء العملية.
وسرعان ما تلاحقت الأحداث بعد أن أيدت محكمة استئناف نيويورك رفض الأمر بإنهاء المقاطعة، وتطورت الأزمة وقدمت القاهرة احتجاجًا رسميًّا إلى الحكومة الأمريكية. وطالبت بتدخل الرئيس «ايزنهاور» بحكم السلطات التي يخولها له الدستور الأمريكي بفض أي إضراب يتعرض معه أمن الشعب الأمريكي للخطر.لكن المقاطعة استمرت، ولم يتدخل الرئيس الأمريكي.
وعلى هذا ظهرت أهمية وجود عمل عربي يوازي الفعل الأمريكي ويرد عليه، وبالفعل أرسلت النقابات العربية برقيات احتجاج إلى النقابة الدولية في بروكلين، وأكدت أنه لو لم يتم وقف هذا العمل غير القانوني فإنها سوف تضطر آسفة إلى اتخاذ قرار مماثل ضد جميع البواخر الأمريكية في المواني العربية، وفي ضوء تجمد الموقف والأنباء المتواترة عن إساءة معاملة البحارة العرب على متن الباخرة كليوباترا، وجه الاتحاد العربي للعمال العرب إنذارًا حاسمًا إلى الاتحاد الأمريكي لعمال الشحن والتفريغ بأنه إذا لم يصحح موقفه العدواني خلال أسبوع، فإن العمال العرب سوف يقومون بالامتناع عن تموين وخدمة وإصلاح وشحن وتفريغ السفن الأمريكية في سائر المواني العربية، ونوه المجلس أن هناك إجراءات أخرى حاسمة سوف تنفذ في مرحلة تالية، وجاء الموعد المحدد في منتصف ليلة 29أبريل 1960م.
ولم يكترث الاتحاد الأمريكي لعمال الشحن والتفريغ بالإنذار العربي، لتبدأ معركة سياسية اكتسبت سمة شعبية، وشكلاً حماسيًّا هائلاً، وفي 29 أبريل 1960م كانت كلمات «هيكل» في الأهرام تعكس جوًّا مشوبًا بالتحدي حيث قال: «الليلة تبدأ معركة أخرى في الحرب الكبرى الدائرة بين الأمة العربية كلها، وبين أعدائها، وفى مقدمة الصف منهم: إسرائيل والصهيونية العالمية. الليلة تبدأ المعركة الجديدة، حين ينفذ العمال العرب، قرارهم بمقاطعة البواخر الأمريكية في كل ميناء عربي، ردًّا على مؤامرة مقاطعة الباخرة العربية كليوباترا ………الليلة تبدأ معركة أخرى في الحرب الكبرى أطرافها: الأمة العربية ضد الصهيونية العالمية. ميدانها: نيويورك – الولايات المتحدة الأمريكية، وما لم تحدث معجزة في الساعات القليلة القادمة قبل أن يجيء منتصف الليل، فإن المعركة محتمة، ونتائجها مما لا يمكن التنبؤ به ….. لكي يعرف الذين يتصورون أنهم يحكمون الدنيا من نيويورك، أن القدر لم يجعل من نيويورك – مقرًّا لعرشه، يحكم منه مصائر الدول، ومستقبل الشعوب….. لكي تعرف الصهيونية العالمية، وكل من يتركون أنفسهم أدوات في أيديها، أن القومية العربية يقظة وعلى حذر، وأنها على أهبة القتال في أي زمان وأي مكان…… لكي يعرف الرأي العام الأمريكي، عندما يسمع ويرى. …عندما ترتد البواخر الأمريكية – وكأن الطاعون عليها – عائدة من أمام المواني العربية، وعندما يضطر العلم الأمريكي إلى أن ينكس رأسه على الموج أمام الشواطئ العربية، خزيًّا وعارًا ساعتها ربما يفيق الرأي العام الأمريكي.. ويتساءل: لماذا، وأي مصلحة أمريكية يحققها هذا الذي ساق إليه ومن الذي يسوقنا؟».
ومع انتهاء الدقة الثانية عشرة امتنع جميع العمال العرب في المواني العربية من المغرب وحتى سواحل الخليج العربي عن التعامل مع السفن الأمريكية، وأيدت الشعوب العربية تلك الخطوة بشكل حماسي واتسعت تلك الحركة لتشمل بعض البلدان الأفرآسيوية. فمع اليوم الرابع للمقاطعة العربية هدد عمال ميناء بومباي بمقاطعة السفن الأمريكية إذا لم تفرغ كليوباترا حمولتها وفي تلك الآونة، وردًّا على الموقف العربي تقدم عضوان من أعضاء الكونجرس الأمريكي، أحدهما ديموقراطي والآخر جمهوري بطلب تعديل قانون المساعدات الأمريكية، وحرمان الجمهورية العربية المتحدة بالذات من هذه المساعدات، وفي المقابل تزعم السيناتور فولبرايت رئيس لجنة الشئون الخارجية بمجلس الشيوخ الاتجاه المعتدل، وطالب بالتخلي عن استفزاز الجمهورية العربية المتحدة، وقاد حملة ضد مشروع القرار المعروض بحرمانها من المساعدات الأمريكية، وندد بمقاطعة عمال نيويورك للباخرة كليوباترا، وما ترتب عليه من مقاطعة عربية مماثلة للسفن الأمريكية، وتصاعدت وتيرة الأزمة، وفي تطور مباغت هدد جيمس لاوسون زعيم الحركة الوطنية الأفريقية المتحدة بالولايات المتـحدة بقيام العمـال الزنوج في نيويورك بتفريغ الباخرة بالقوة مؤكدًا أن المقاطعة تمت بفعل تآمر الصهيونية العالمية، ومع اليوم الخامس للمقاطعة وجه الرئيس «ايزنهاور» نداءً للعمال الأمريكيين لإنهاء المقاطعة، ولكن الاتحاد العام لنقابات العمال رفض الاستجابة وتدخل «همرشولد» مؤكدًا أن مقاطعة كليوباترا لن تجدي نفعًا، ولن تفتح القناة أمام سفن إسرائيل.
ويبدو أن وطأة المقاطعة العربية كانت شديدة، حيث أكد «ديلون» وكيل الخارجية الأمريكية، أنه مقابل كل سفينة عربية تتم مقاطعتها في المواني الأمريكية، تتم مقاطعة ثلاثين سفينة أمريكية في المواني العربية من المحيط إلى الخليج.
وفي يوم الجمعة 6مايو 1960م أصدر بول هول رئيس نقابة عمال البحر الأمريكيين أمرًا بإنهاء الحصار المفروض على الباخرة العربية كليوباترا، وفي يوم الإثنين 9 مايو انتهت الأزمة، وبدأت عملية تفريغ السفينة، وفي المقابل أعلن اتحاد العمال العرب إنهاء مقاطعة السفن الأمريكية. مما حقق انتصارًا سياسيًّا ومعنويًّا ليس للجمهورية العربية المتحدة فحسب، وإنما للشعوب العربية التي وحدتها الأزمة، فكانت المقاطعة العربية للسفن الأمريكية نموذجًا لما يمكن أن يمارسه العرب من ضغط على دوائر صنع القرار في الولايات المتحدة، ولما يمكن أن تفعله وحدة العرب على صعيد السياسة الدولية، وخرج “عبد الناصر” من الأزمة أكثر قوة، وقد لمست الجماهير العربية أهمية العمل العربي المشترك بشكل عملي، وبالتالي اكتسب المشروع القومي تأييدًا كبيرًا بين صفوف الجماهير.
للمزيد من التفاصيل :
-طاهر أبو فاشا : الجمهورية العربية المتحدة في عام 1959-1960…..
[divide style=”2″]
كليوباترا.. ليست ملكة فقط بل هي باخرة أيضاً
(”كليوباترا” عنوان معركة سياسية واقتصادية مع أمريكا، يوم أن كان العرب عرباً)
لا يكاد اسم (كليوباترا) يذكر، حتى يتبادر إلى الذهن صورة تلك الملكة البطلمية، التي حكمت مصر ثمانية عشر عاماً مع نهاية القرن الأول قبل الميلاد، والتي اشتهرت بعلاقتها الغرامية مع مارك أنطونيو، أما عندما يُذكَرُ اسم (الباخرة كليوباترا)، فربما سيتذكرها البعض القليل من الناس، وربما يجهلها الكثيرون، فقد كانت حادثة تلك الباخرة واحدة من أهم الأحداث التي ميزت الصراع العنيف بين المد القومي العربي متمثلاً بقلب الأمة: مصر، والإمبريالية الغربية عموماً، والأمريكية بشكل خاص، خلال العقدين السادس والسابع من القرن الماضي، ولتفصيل الحديث عنها، لا بد من العودة قليلاً إلى الوراء.
خلفية الأزمة:
مع قيام ثورة تموز – يوليو 1952 المصرية، بدأ الاحتكاك المباشر، خاصة بين الوطنية المصرية، والقومية العربية بشكل عام، مع المصالح الغربية في الوطن العربي بشكل عام، ومصر على وجه الخصوص، ومع أواخر صيف 1956، كانت سُحُبُ الحرب قد تجمعت في سماء مصر، فبعد نجاح عبد الناصر في كسر احتكار السلاح، فحصل عليه من الاتحاد السوفييتي عن طريق تشيكوسلوفاكيا، وعندما أمم قناة السويس بعد عدول البنك الدولي عن تمويل مشروع بناء السد العالي، فقد كان لكل دولة من دول العدوان الثلاثي مبرراتها لغزو مصر:
1- فبالنسبة لإسرائيل: كان الحصار البحري المفروض على ميناء إيلات عن طريق منع سفنها من الإبحار عبر مضائق تيران إلى البحر الأحمر، وحصول عبد الناصر على صفقة السلاح الروسي، وتشجيعه دخول الفدائيين الفلسطينيين من قطاع غزة لمهاجمة المستوطنات الإسرائيلية، كانت جميعها أسباباً كافية للعدوان على مصر، وقد اتخذت إسرائيل من ذريعة تحجيم وردع هجمات الفدائيين المنطلقة من قطاع غزة بدعم مصري، سبباً مباشراً للحرب. كل ذلك كان مبرراً ”لديفيد بن غوريون” لكي يهاجم مصر.
2- بالنسبة لفرنسا: فقد حرمها تأميم قناة السويس من امتلاك حصتها المقدرة بـ 56% من أسهم القناة، وبعد هزيمة قواتها في معركة ديان بيان فو في فييتنام في الأسبوع الأول من مايو 1954، وقبل مضي ستة أشهر على تلك الهزيمة النكراء، قامت ثورة الجزائر في الأول من نوفمبر 1954، فحصلت على دعم مصري مطلق بالمال والسلاح، فكان رأي رئيس الوزراء”جي موليه” أنه لا بد من إيقاف مصر عند حدها.
3- بالنسبة لبريطانيا: فقد أذلتها مصر بتوقيع اتفاقية الجلاء عن قاعدتها العسكرية في خريف 1954، كما فقدت أسهمها في ملكية قناة السويس والمقدرة بـ 44% من عدد الأسهم الإجمالي، وأصبح طريقها إلى آسيا في يد الثورة المصرية، فتعززت لدى ”أنطوني إيدن”، رئيس وزرائها، فكرة الحرب.
وهكذا، فقد عبرت القوات الإسرائيلية حدود سيناء يوم 29 أكتوبر 1956، فأنذرت بريطانيا وفرنسا كلا الجانبين الإسرائيلي والمصري بالانسحاب بضعة أميال عن قناة السويس، مما يعني الإيعاز إلى إسرائيل بالوصول إلى القناة، وحتى لا ينحصر الجيش المصري بين فكي كماشة، أُمِرَ بالانسحاب من سيناء، وقصة ما جرى من العدوان بعد ذلك معروفة، فكان من ضمن نتائج الحرب السماح لإسرائيل بالعبور من مضائق تيران إلى البحر الأحمر، وذلك بعد مرابطة القوات الدولية في سيناء.
بعد اغتصاب إسرائيل حق العبور من مضيق شرم الشيخ بالقوة، التفتت إلى المطالبة بحق المرور عبر قناة السويس، ولذا فقد شن ”بن غوريون”، رئيس وزرائها، في أوائل عام 1960 حملة داخل الولايات المتحدة الأمريكية للمطالبة بمقاطعة السفن المصرية للضغط على القاهرة من أجل السماح للسفن والبضائع الإسرائيلية بعبور القناة، وكانت مصر قد صادرت عدداً من السفن التي كانت تحمل بضائع من وإلى إسرائيل، وبعد تدخل الأمين العام للأمم المتحدة، ونظراً لحاجة مصر في ذلك الوقت إلى قرض من البنك الدولي لتوسيع وتعميق القناة، فقد أفرجت عن السفن المصادرة، مع الاحتفاظ بالبضائع التي كانت عليها.
في بداية شهر نيسان – إبريل 1960 آتت حملة بن جوريون أكلها، ففي الثالث عشر من ذلك الشهر رست الباخرة المصرية”كليوباترا” – التي تبلغ حمولتها 8 آلاف طن، وبطاقم عدده 103 بقيادة الكابتن أحمد بهاء الدين مندور(الأهرام 1960/4/17) – رست في ميناء نيويورك وهي تحمل شحنة من القطن المصري طويل التيلة، وكانت قد أبحرت من ميناء بيروت مارة ببعض الموانيء الإيطالية، حيث حملت مجموعة بضائع بزنة 2311 طن للتنزيل في ميناء نيويورك. والباخرة كليوباترا مملوكة لشركة”البوستة الخديوية” أي البريد الخديوي، وكانت البوستة الخديوية قد أسست في الإسكندرية في أوائل العقد الخامس من القرن التاسع عشر على يد رجل إيطالي كشركة صغيرة لنقل البريد داخل مصر، ثم توسعت أعمالها لإيصال البريد إلى استامبول وبعض الدول الأوربية، لذا اشترت عدداً من البواخر بلغ عددها 26 سفينة، والتي كانت تجوب موانيء البحر الأحمر انطلاقاً من ميناء السويس (قبل افتتاح القناة عام 1869)، ومن ميناء الاسكندرية وميناء بورسعيد، لكي تجوب موانيء شرق البحر المتوسط، ناقلة البريد والبضائع والركاب.
كانت حملة بن غوريون السياسية ضد مصر ترتكز على أن لسفن إسرائيل الحق في عبور قناة السويس، وأن هذا المنع يضر كثيراً بمصلحة السفن الأمريكية، التي تدخل أسماؤها في اللائحة السوداء للمقاطعة العربية بمجرد تعاملها مع إسرائيل، لذا توقف عمال الشحن والتفريغ في ميناء نيويورك عن التعامل مع الباخرة كليوباترا لدى وصولها ميناء نيويورك يوم 1960/4/13 ، بل وصل الأمر إلى حد منع تموين الطعام والشراب والدواء لركابها وطاقمها، وكان من المرجح أن تشمل المقاطعة فيما بعد جميع السفن العربية، ذلك أن اتحاد البحارة الأمريكيين كان قد أصدر بياناً فُهِمَ منه أن الحظر سوف يشمل سفن جميع الدول التي تفرض المقاطعة الاقتصادية على إسرائيل، وتوضح مقالات صحيفة النيويورك تايمز لتلك الفترة مدى تخبط الإدارة الأمريكية في تلك الأزمة، ففي بدايتها حاول (مصطفى كامل)، السفير المصري في واشنطن، مناشدة وزارة الخارجية الطلب من الرئيس (آيزنهاور) التدخل لحل الأزمة، لكن الخارجية الأمريكية رفضت ذلك بدعوى أنه لا يحق للرئيس القيام بذلك إلا في الحالات التي تؤدي إلى تهديد الأمن القومي ( سنرى بعد ذلك كيف أنها سوف تتدخل لإنهاء الأزمة بعد تهديد اتحادات العمال العربية بمقاطعة السفن الأمريكية).
ولمتابعة تطورات أزمة الباخرة كليوباترا، من المفيد استعراض أخبارها من خلال بعض المصادر، وخاصة صحيفتي الأهرام القاهرية ونيويورك تايمز*:
بداية الأزمة:
– نيويورك تايمز: في 4/14 ترد قضية الباخرة كليوباترا لأول مرة في هذه الصحيفة، حيث تنقل خبراً عن مظاهرة عمال الشحن والتفريغ في ميناء نيويورك ضد وصول الباخرة المصرية (كليوباترا)، وذلك احتجاجاً على المقاطعة العربية لإسرائيل.
– أما صحيفة الأهرام الصادرة يوم 4/15 فيتصدر صفحتها الأولى المانشيت الذي يقول (إسرائيل تحرض عمال الشحن في أمريكا ضدنا)، وتذكر أن نقابتين من نقابات العمال الأمريكيين قد قدمت احتجاجاً لدى الحكومة الأمريكية على إدراج السفن الأمريكية التي تتعامل مع إسرائيل في القائمة السوداء لمكتب المقاطعة العربية لإسرائيل، كما طالبت الحكومة الأمريكية بالإيعاز إلى سفن الأسطول الأمريكي في الشرق الأوسط بعدم شراء أية تموينات من أي ميناء عربي، كما تشير الأهرام إلى مقالات في الصحف الإسرائيلية في عددها ليوم الأمس 4/14 تحرض فيها الموانيء الأوربية على فعل نفس الشيء الذي قام به عمال نيويورك.
في نفس هذا اليوم 4/15 تذكر صحيفة جيروزاليم بوست أن سكرتير عام الهستدروت (اتحاد العمال الإسرائيليين) قد أبرق إلى رئيس الاتحاد العالمي لعمال الشحن يشكره على موقفه من الباخرة كليوباترا، كما تشير نيويورك تايمز إلى دعوى قضائية تقدم بها أصحاب الباخرة لرفع المقاطعة عنها، وتضيف الأهرام في عدد 4/16 بأن أصحاب السفينة يطالبون بتعويض عطل وضرر مقداره 10 آلاف دولار.
تصاعد الأزمة:
– وفي يوم 4/17 تذكر الأهرام بأن حادث الباخرة في طريقه إلى أن يتحول إلى أزمة سياسية كبرى، وأن المحكمة الفدرالية في نيويورك قد أجلت النظر في الدعوى.
– وفي عدد 4/18 يتصدر الصفحة الأولى في الأهرام عنوان رئيسي (إنذار إلى البواخر الأمريكية)، وتشير إلى أن عمال ميناء اللاذقية قد بدأوا المقاطعة بالفعل، وأن عدد السفن الأمريكية التي تدخل موانيء الجمهورية العربية المتحدة (ج.ع.م.)يصل إلى حوالي الخمسين سفينة يومياً. وتشير نيويورك تايمز إلى توجه العمال العرب لمقاطعة السفن الأمريكية وذلك في عددها ليوم 4/19.
– ابتداء من يوم 4/20 تبدأ الأهرام في إيلاء موضوع الباخرة أولوية في التغطية الصحفية، فالصفحة الأولى تخلو من أي خبر باستثناء أخبار كليوباترا، فيقول المانشيت الرئيسي (محاولات في واشنطن لتفادي الأزمة العنيفة)، وتستنتج من تأجيل المحكمة النظر في دعوى أصحاب الباخرة، تنصل الإدارة الأمريكية من تصرف عمال ميناء نيويورك، موضحة أنه لا علاقة بين الإدارة وتصرف النقابات العمالية، كما تشير الأهرام بأنه قد تم تزويد السفينة باحتياجاتها التموينية من طعام وشراب وأدوية، كما طلب مكتب البريد الأمريكي من العمال السماح بتنزيل 185 كيس بريد، و302 طرد بريدي مرسلة من بيروت والاسكندرية.
– في4/21 تذكر الأهرام في عددها بأن عمال النقل الجوي العرب قد هددوا بمقاطعة الطائرات الأمريكية، أما نيويورك تايمز فتذكر أن اتحاد البحارة الأمريكيين قد أبلغ الرئيس عبد الناصر بأن موقف العمال كان بسبب تقييد مصر حرية السفن الأمريكية التي تتعامل مع إسرائيل بعبور قناة السويس، كما تنقل عن الإدارة الأمريكية قولها بأن مقاطعة الباخرة يسبب حرجاً للعلاقات الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية.
– يوم4/22 تذكر الأهرام استعداد جميع اتحادات العمال العرب للتضامن مع مصر، وتشير إلى أن الأمر سوف يعرض على اجتماع وزراء الخارجية العرب يوم4/30، كما تقول بأن السفير الأمريكي في القاهرة (فريدريك رينهارت) قد أرسل إلى إدارته محذراً من عواقب هذه الحادثة على العلاقات مع ج.ع.م. ، وتشير إلى رسالة السفير المصري (مصطفى كامل) حول الأثر الإيجابي لرسالة السفير الأمريكي، وتأثيره على مواقف الإدارة الأمريكية من مقاطعة كليوباترا. وفي نفس اليوم تنقل نيويورك تايمز تهديد اتحادات العمال العرب بالمقاطعة خلال أسبوع إن لم تحل القضية.
تفجر الأزمة:
– يوم 4/23 تصدر الأهرام بعنوان رئيسي يقول:( إنذار حاسم يوجهه العمال العرب: مهلة 7 أيام وبعدها المقاطعة الكاملة) التي حددت مع بداية يوم4/30. ومن سياق أخبار الأهرام لهذا اليوم يفهم بأن الحظر عن نزول البحارة إلى البر قد رفع، حيث تنقل خبر طعن البحار (عز الدين محمود) خلال عودته ليلاً إلى السفينة من قبل بحار أمريكي، فأصيب بجروح خطيرة في رأسه وعينه اليسرى ( وفي عددها ليوم 4/24 تقول بأن البحار المصري مهدد بفقد بصره)، كما تقول الأهرام بأن برقية من العمال الأمريكيين تنفي أن تصرفهم تجاه الباخرة المصرية نابع عن ضغط صهيوني، وتنقل عن الخارجية الأمريكية قولها بأنها، مع أخذها بعين الاعتبار عدم مشروعية مقاطعة إسرائيل، إلا أنها ترى أن موقف عمال نيويورك يحرج موقف الإدارة نظراً للخشية من إجراء عمالي عربي مضاد.
– أيضاً يأتي مانشيت الأهرام ليوم 4/24 الرئيسي: (أزمة كليوباترا تشتد بعد أن رفضت محكمة نيويورك إصدار حكم بتفريغ شحنتها)، حيث رفض القاضي (توماس ميرفي) إصدار أمر لعمال الميناء بمباشرة تفريغ الباخرة اعتماداً على ادعاء العمال بأن بعضهم كان قد فقد وظيفته نتيجة مقاطعة ج.ع.م. للسفن الأمريكية التي تتعامل مع إسرائيل، كما تذكر بأن عمال النرويج والسويد والدانمارك قد رفضوا الإذعان لطلب مقاطعة السفن العربية.
وربما كان من الطريف الإشارة إلى أن اتحاد العمال السويديين كان قد قرر مقاطعة سفن ج.ع.م. منذ يوم 4/7، أي قبل البدء بمقاطعة عمال نيويورك، وذلك رداً على مصادرة السفينة الدانمركية (أنجي توفت) في مايو 1959، والتي كانت تحمل إسمنت وبوتاسيوم إسرائيلي إلى شرق آسيا، لكن السلطات المصرية صادرت حمولتها وأوقفت السفينة، ولكن بعد إطلاق سراحها وعودتها إلى حيفا، فقد تراجعت السويد عن قرارها، وكذلك إفراج مصر عن السفينة اليونانية (استباليا) التي كانت تحمل الاسمنت الإسرائيلي إلى جيبوتي. هنا تجدر الإشارة إلى أن معظم هذه
المصادرات للبضائع الإسرائيلية تمت خاصة بعد خطاب الرئيس جمال عبد الناصر في حلب فبراير 1959، شمال سوريا، والذي قال فيه بأن البضائع الإسرائيلية المصادرة سوف تستخدم في تحسين أحوال اللاجئين الفلسطينيين في مخيماتهم.
– يوم4/25 يقول مانشيت الأهرام (المؤامرة تظهر على حقيقتها)، وتفسر ذلك بأنها مؤامرة إسرائيلية للضغط على ج.ع.م. لوقف المقاطعة العربية، مسرحها نيويورك، كما تشير إلى هجوم الصحافة الإسرائيلية على الأمين العام للأمم المتحدة (داغ همرشولد) الذي كان لتصريحاته دور في توقف اتحاد عمال السويد عن مقاطعة السفن العربية، كما تنشر الأهرام في عدد هذا اليوم لأول مرة صورة كابتن الباخرة كليوباترا (أحمد بهاء الدين مندور) وصورة العامل المصري الذي طعن وهو (عز الدين محمود).
– عدد الأهرام يوم 4/26 يتصدره عنوان ذو أهمية كبرى: ( عبد الناصر يتحدث عن أزمة كليوباترا)، ففي حديثه إلى تلفزيون كولومبيا في برنامج (واجه الأمة)، يتحدث عبد الناصر عن عدم حق إسرائيل في المرور عبر خليج العقبة – والذي حصلت عليه بعد العدوان الثلاثي عام 1956 – ولا عبر قناة السويس، مؤكداً على أن منع إسرائيل من استخدام هذين الممرين لا يرتبط بحرية الملاحة، ولكن بحقوق شعب فلسطين، وقد ربط السماح بمرور إسرائيل من قناة السويس بتطبيقها القرارات الدولية المتعلقة بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى بلادهم، وتعويضهم – وليس ”أو تعويضهم” – عما لحق بهم من خسائر جراء العدوان على بلادهم، وقال: { إننا نعتبر كل ممتلكات إسرائيل هي ممتلكات عرب فلسطين، الذين حرموا من أراضيهم وممتلكاتهم }. وعندما سأله المذيع عن صحة اتفاقه مع همرشولد على السماح بمرور بضائع إسرائيلية على سفن محايدة، نفى عبد الناصر ذلك تماماً.
وفي نفس هذا اليوم 4/26 تذكر نيويورك تايمز بأن المحكمة الفدرالية قد رفضت للمرة الثالثة الدعوى القضائية المقدمة من قبل أصحاب الباخرة لرفع المقاطعة عنها.
– عدد الأهرام ليوم 4/27 ينشر تعليقاً لرئيس تحريرها محمد حسنين هيكل يتهم فيه بن غوريون بتدبير هذا الأمر، وفشله في تحريض عمال موانيء السويد والنرويج والدانمرك، ويصف المعركة الحالية بأنها (حلقة أخرى من نفس السلسلة الطويلة في الصراع بين القومية العربية وبين أعدائها وفي مقدمة صفهم إسرائيل والصهيونية العالمية)، كما ينقل الأهرام خبراً عن برقية أرسلها اتحاد العمال العرب إلى الرئيس الأمريكي آيزنهاور يطالبه فيها استخدام الحكمة، والتدخل لإنهاء الأزمة.
أما نيويورك تايمز لعدد هذا اليوم، فتنقل عن مراسلها في القاهرة بأن اتحاد العمال العرب سوف يبدأ مقاطعة السفن الأمريكية مع الدقائق الأولى ليوم الجمعة 4/30، وأن هناك تهديداً بتوسيع المقاطعة لتشمل المطارات العربية.
– في 4/28 يأتي المانشيت الرئيسي للأهرام: (اللحظة الحاسمة تقترب)، يقصد اقتراب موعد بدء المقاطعة العربية، ويشير إلى إرسال الخارجية الأمريكية اثنين من مندوبيها لمقابلة زعماء العمال، وإبلاغهم بالضرر الذي سوف يلحق بالسفن الأمريكية لو استمروا في مقاطعة الباخرة المصرية، كما تتحدث الصحيفة بالتفصيل عن وقائع جلسة المحكمة في نيويورك حيث فشلت الدعوى للمرة الثالثة، إذ أجل القاضي النطق بالحكم.
– يوم 4/29 يتصدر الأهرام المانشيت:( الليلة تبدأ المقاطعة)، ويكتب هيكل مقاله بعنوان (الرجل الذي أفلتت منه الفرصة)، ويقصد به الرئيس آيزنهاور، الذي يقول عنه بأنه فشل في تفكيك الأزمة، ويتساءل هيكل: (لماذا لم يتدخل آيزنهاور من أجل وطنه لا من أجلنا؟)، ثم يختتم مقالته بالقول:( ولكن الفرصة في كفه راحت، وتسربت كحفنة من الرمال الناعمة).
وفي هذا العدد نجد أيضاً تهديداً بامتداد المقاطعة العربية إلى السفن الكندية، حيث أن عمال ميناء مونتريال امتنعوا عن التعامل مع باخرة مصرية أخرى هي (نجمة أسوان)، التي تبلغ حمولتها 5000 طن، وكانت تحمل كميات من القطن والأرز وزيت الزيتون والفلين، بقيادة الكابتن اليوغسلافي (شولتش)، وذلك بحجة عدم وجود مكان لها على رصيف الميناء، كما تنقل عن عمال كليوباترا أن الماء والغذاء قد منع عنهم، وأن أحد العمال قد فقئت عينه اليسرى.
وفي نفس اليوم 4/29 تقول نيويورك تايمز بأن وزارة الخارجية في واشنطن أعربت عن قلقها بشأن تداعيات موضوع الباخرة المصرية.
– عدد الأهرام ليوم 4/30 تصدره المانشيت:( 21 ميناء بدأت المقاطعة)، حيث توقف عند منتصف الليل العمل في إصلاح وتفريغ السفن الأمريكية، ورفعت في الموانيء لافتات كتب عليها ( لا ماء – لا طعام – لا وقود – لا شحن – لا تفريغ)، كما ذكرت الصحيفة أن عمال مونتريال قد توقفوا عن مقاطعة الباخرة (نجمة أسوان). كما تنشر الأهرام خبر تصويت مجلس الشيوخ الأمريكي على وقف تزويد مصر بمساعدات القمح الأمريكي**.
– أما عدد يوم 5/1 من الأهرام، فقد تصدره المانشيت:( من المحيط إلى الخليج)، يقصد امتداد مقاطعة السفن العربية في جميع الموانيء العربية، وعنوان آخر عن تحذير عبد الناصر للدول الأفريقية والآسيوية من مخاطر السياسة الإسرائيلية، كما ينتقد دفاع الرئيس الأمريكي عن حق إسرائيل في عبور سفنها وبضائعها قناة السويس، بينما ينسى الحديث عن حقوق الشعب الفلسطيني، أما نيويورك تايمز فتشير إلى المقاطعة العربية للسفن الأمريكية.
– يوم 5/2 يبشر مانشيت الأهرام بتهديد العمال السود في ميناء نيويورك بتفريغ الباخرة كليوباترا بالقوة إن لم يتدخل الرئيس.
– مانشيت يوم 5/3 في الأهرام:(تطورات خطيرة في أزمة كليوباترا)، وتقول بأن وزير الخارجية الأمريكي يحذر الكونغرس من ربط المساعدات إلى مصر بموضوع الحظر المفروض على مرور إسرائيل من قناة السويس، وتشير إلى أن عمال ميناء (بومباي) الهندي قد هددوا بالاشتراك في الإضراب ضد السفن الأمريكية، أما نيويورك تايمز فتتحدث عن مناشدة البيت الأبيض للعمال بالبحث عن حل للأزمة.
– مع مرور الأيام، تبدأ مضاعفات مقاطعة السفينة تصل إلى صراع بين الخارجية الأمريكية ومجلس الشيوخ، وبينها وبين نقابة العمال، فيظهر عدد الأهرام ليوم 5/4 بمانشيت عريض يقول:(انقسام في الكونغرس بسبب الجمهورية العربية)- هكذا، ربما لأن السطر لم يتسع لإضافة كلمة”المتحدة” – ومؤدى الخبر أن السيناتور فولبرايت فشل في منع الكونغرس من التصويت على قرار يرفع إلى الرئيس يقضي بمناشدته وقف المساعدات الاقتصادية لمصر بسبب أزمة القنال مع إسرائيل، أما نيويورك تايمز فتذكر بأن نقابة العمال رفضت طلب الإدارة رفع المقاطعة عن كليوباترا، والإدارة ترد بأنه من الخطورة بمكان أن يأخذ بعض الناس تسيير الشؤون الخارجية للبلاد بأيديهم، وتعيد الطلب من العمال برفع المقاطعة فوراً.
– يوم 5/5 يتزايد تشابك تأثيرات حادثة السفينة، فيأتي عنوان الأهرام:(أمريكا تعلن فجأة عقد صفقة أسلحة مع إسرائيل)، (أزمة الباخرة تزداد تعقيداً)، ثم عنوان فرعي يتحدث عن رسالة من الرئيس الأمريكي إلى العمال لفك الإضراب، لكنهم يرفضون الاستجابة، كما تقرر محكمة استئناف نيويورك تأييد الحكم السابق بعدم تنزيل الباخرة.
– أما يوم 5/6 فيظهر مانشيت الأهرام نبرة تحدٍّ عندما يقول: (لن تحكمنا نقابات البحر الأمريكية)، ويكتب هيكل مقاله الأسبوعي بعنوان:(ليست مهزلة،،،بل هي مأساة)، ويقصد بذلك المسؤولين الأمريكيين الذين التقاهم، والذين يطالبون جميعهم العرب بالتروي وإعطاء الفرصة لرئيسهم لحلحلة الموقف، ثم – كما يقول هيكل – نفاجأ بصفقة أسلحة إلى إسرائيل، كما تذكر الأهرام أن الأمين العام للأمم المتحدة ”داغ همرشولد” يؤكد بأن مقاطعة السفينة المصرية لن يؤدي إلى فتح قناة السويس أمام الملاحة الإسرائيلية، ونيويورك تايمز تتحدث عن مشاورات بين وزير الخارجية جيمس ديلون مع رئيس اتحاد نقابات العمال ومجلس المنظمات الصناعية لإنهاء الأزمة.
انفراج الأزمة:
– أما مانشيت الأهرام ليوم 5/7 فكان كلمة واحدة (انتصرنا) – بدأ تفريغ كليوباترا عند منتصف الليل في ميناء نيويورك، وذلك بناء على برقية من ”جون ميني” رئيس اتحاد نقابات العمال الأمريكيين إلى رئيس عمال البحر في نيويورك، واعداً العمال بالسهر على متابعة مصالحهم التجارية، كما تذكر الصحيفة أن الباخرة (نجمة أسوان) قد اتجهت إلى كويبك في كندا، وأن أمور شحنها وتفريغها تسير بصورة منتظمة.
وهكذا، بعد أزمة امتدت على مدى أكثر من ثلاثة أسابيع، أظهرت فيها الأمة العربية جمعاء وقوفها خلف الجمهورية العربية المتحدة بقيادة جمال عبد الناصر، وأرغمت فيها عمال أمريكا على وقف مقاطعة البواخر العربية، وذلك عندما وقفت جميع اتحادات العمال العرب خلف ج.ع.م. فأرغمت عمال ميناء نيويورك رغم أنفهم، والإدارة الأمريكية رغم أنف رئيسها آيزنهاور، على الرضوخ للإرادة العربية،، بعد هذه الأسابيع الثلاثة أسدل الستار على واحدة من أشرس المعارك بين الحركة القومية العربية الناهضة وأمريكا، بتحريض من الصهيونية العالمية وإسرائيل. تلك صفحة مجيدة من التاريخ العربي المعاصر لا ينبغي أن تُنسى.
كنت أحكي لأبني الصيدلي الذي لم ير عبد الناصر ذلك الزعيم الذي جمع أمتنا على قلب رجل واحد ضد عدونا الذي تؤكد الأيام أنه عدونا ، وصانع مآسينا ، حكيت له قصة عشتهاا طفلا ، وكانت كرامتنا في عنان السماء ، وكنا متحابين ، على قلب رجل واحد ، نعد لعدونا ما استطعنا من قوة ، وكانت قصة السفية كليوباترا أصدق قيلا على ما كنا عليه ، ولهذا سعت أمريكا لإسقاط البطل ، وقد فني جسد البطل وبقيت روحه رمزا للحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية ، رحمك الله يا ناصر رحمة واسعة.