كان لصدور قانون عام 1890 فى مصر، الخاص بإلغاء نظام الطوائف. كما سبق القول. إيذانا بنشوء النقابات العمالية خاصة فى ظل شعور العمال بحاجتهم إلى التكتل لتشكيل قوة فى مواجهة أصحاب رؤوس الأموال والاستثمارات الأجنبية التى تدفقت على مصر وظهور العديد من الصناعات التى تجمع العمال بأعداد كبيرة.

وقد سبق الإضراب فى مصر قيام النقابات، وكان الوسيلة الفعالة التى أدت للاعتراف بالنقابات وحق العمال فى التنظيم النقابى بعد أن عانى العمال من الأجور المنخفضة وساعات العمل الطويلة وظروف عمل متدنية، واتسمت أحوالهم بالتفاوت والتمييز فى الأجور بين العمال الوطنيين والعمال الأجانب، إضافة إلى خلو التشريعات من أية قوانين تكفل تنظيم العلاقات العمالية.

وخلال هذه الفترة بدأت شركات السجائر وصناعة الدخان فى مصر بنحو 40 شركة ضمت نحو 30 ألف عامل كانوا يعانون ظروف عمل سيئة للغاية، وقاد عمال شركات الدخان والسجائر فى القاهرة والإسكندرية العمل الجماعى العمالى بشقيه.. الإضراب، والتنظيم النقابى، ولم يكن ذلك من قبيل الصدف التاريخية وإنما كان محصلة عاملين أساسيين:

بعض قيادات الشركة الشرقية للدخان مع السيد زكى سلامة سكرتير عام مساعد المجلس التنفيذى للاتحاد المصرى للعمال ومحمود العسكرى ثابت رئيس النقابة العامة للصناعات الغذائية ومحمد عبده جمعه عضو مجلس إدارة الاتحاد العام

والثانى: أن ظروف الحرب كانت أشد ما تكون تأثيرا على صناعتهم نتيجة نقص الدخان الخام الأمر الذى مكن أصحاب المعامل من توفير عدد كبير من العمال.

والواقع فإن ميزان القوى فى هذه الإضرابات كان يميل إلى جانب العمال فى بداية الأمر لأن طبيعة هذه الصناعة كانت تحتم الاعتماد على العمل اليدوى والخبرة الحرفية العالية، ولهذا كان العمال غالبا فى وضع المفاوض القوى أمام أصحاب المعامل.. ولكن هذا الوضع لم يلبث أن تغير نتيجة استخدام الآلات التى أحدثت قلقا شديدا فى صفوف عمال الدخان والسجائر وخاصة عمال اللف الذين أصبحوا مهددين بالفصل.

وخلال عام 1897 قاد عمال الدخان والسجائر بالقاهرة والإسكندرية العديد من الإضرابات واتبعوا أسلوبا ذكيا، فعندما كان عمال مصنع يضربون عن العمل كان عمال المصانع الأخرى يجمعون لهم من التبرعات ما يعينهم على الاستمرار فى الإضراب حتى تجاب لهم مطالبهم.

ولقد أسفرت هذه الإضرابات عن تأسيس (جمعية لفافى السجائر) بالقاهرة والإسكندرية ابتداء من ديسمبر 1898 وقد وضع العمال على رأس هذه الجمعية شخصية أجنبية للتخفيف من بطش السلطات.. فقد كان المهم الاعتراف بالنقابة لأن ذلك الاعتراف يمثل اعترافا بالصفة التمثيلية للعمال المفوضين بالعمل النقابى لمناقشة شروط وظروف العمل توطئة لتحسينها أو تعديلها..

ولقد بدأت مسيرة الحركة النقابية العمالية المصرية بتأسيس هذا التنظيم النقابى للدفاع عن العمال والمطالبة بحقوقهم والتصدى لقوى الاستغلال الأجنبى التى كانت تعتمد على وجود قوات الاحتلال البريطانى وتحرم الشعب والعمال المصريين من حقوقهم الأساسية.