من الملاحظ أن التغير المناخي والاحتباس الحرارى وآثاره قد أصبح الشغل الشاغل للعالم هذه الأيام, ويتسبب هذ التغير في حالة الطقس الى إحداث سلسلة من التأثيرات المتعاقبة التي تمتد عبر الأنظمة البيئية، مما ادى الى انخفاض أعداد الحيوانات وحصول حالات انقراض في أماكن محددة من العالم يرجع اسبابها بصورة مباشرة إلى التغير المناخي وتغير الطقس، ويحذر علماء المناخ من احتمالات تعرض مختلف الأنواع للخطر جراء ارتفاع درجات الحرارة بالكوكب إلا ان هذه الظاهرة تتجلى بصورة واضحة في أمريكا اللاتينية حيث يتعرض الضفدع والعلجوم لخطر الانقراض.
وقد ساهم الإنسان في تقليص المواطن الطبيعية لكثير من أشكال الحياة، من خلال الممارسات الزراعة غير المستدامة والصيد البري والبحري الجائر وتدمير الموائل الطبيعية ولا شك في أن هذا الوضع سيزداد سوءاً. فالاحتباس الحراري يهدد آلاف الأنواع الحيوانية والنباتية بالانقراض، أو هذا على الأقل ما كانت اللجنة الدولية للتغيرات المناخية(IPCC) تتوقعه منذ سنوات.
وحذرت دراسة من أن سدس أنواع الكائنات على الأرض قد تواجه خطر الانقراض إذا لم تتخذ إجراءات لمعالجة التغير المناخي. وأشارت الدراسة، وفقا لمراجعة أجرتها لبعض الأدلة، إلى أنه إذا استمرت الانبعاثات الكربونية بمستوياتها الحالية وارتفعت درجات الحرارة بواقع أربع درجات، فإن 16 في المئة من الحيوانات والنباتات ستختفي.
وأوضحت الدراسة، التي نشرت في مجلة “ساينس” العلمية، أن أنواع الكائنات في أمريكا الجنوبية وأستراليا ونيوزيلندا هي الأكثر عرضة للخطر. وكانت تقديرات سابقة أشارت إلى أن معدلات الخطورة تتراوح بين 0 إلى 54 في المئة. وتوصل إلى أن معدل فقدان التنوع البيولوجي على الأرجح سيتزايد مع ارتفاع كل درجة حرارة مئوية. وفي حال ارتفاع درجات الحرارة مستقبلا بواقع درجتين مقارنة بمستويات ما قبل الثورة الصناعية، فإن مخاطر الانقراض العالمي ستتزايد من 2.8 في المئة حاليا إلى 5.2 في المئة. لكن وفقا للسيناريو الحالي لمعدلات الاحتباس الحراري، فإن 16 في المئة من الكائنات (واحدة من بين ستة) ستواجه خطر الانقراض. وقال ديربان: “إذا لم يتحد العالم ويسيطر على انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وسمحنا بارتفاع درجات حرارة الأرض بصورة كبيرة، فإننا سنواجه احتمال فقدان واحد من ستة أنواع” من الكائنات.
وكشفت دراسة أخرى حديثة تأثير تغير المناخ على الأنواع المهددة بالانقراض قد ازداد سلباً في جميع أنحاء العالم. وكانت هذه الآثار صادمة بشكل خاص بالنسبة لقائمة الأنواع المهددة بالانقراض من الثدييات والطيور البرية والبحرية – حتى الأنواع المدرجة في “القائمة الحمراء” للاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة. وفي عام 2007، توقعت اللجنة الدولية للتغيرات المناخية أن ارتفاع درجة حرارة الكوكب سيؤدي إلى هلاك كثير من الأنواع البرية والبحرية. وتعزو مسودة هذا التقرير الخطوة إلى نقص في الأدلة. ووفقا للدراسة التي نشرت في مجلة Nature Climate Change ، فقد أثر الاحتباس الحراري العالمي بالفعل على حوالي 700 نوع في “القائمة الحمراء” – أي حوالي نصف الثدييات وحوالي ربع الطيور. ويظهر هذا البحث أن تغير المناخ ليس تهديدا قد يعترض تلك الأنواع في مرحلة ما في المستقبل، بل مسألة حقيقية لها تأثير سلبي على الأرض في الوقت الحاضر. ومعظم الدراسات المناخية التي تركز على التنوع البيولوجي تدرس الآثار المحتملة للاحتباس الحراري العالمي التي يمكن أن ينظر إليها في 50 إلى 100 سنة. ومع ذلك، أظهرت نتائج فريق من الباحثين الذين حققوا في أكثر من 100 دراسة سابقة أن مجموعة الحيوانات التي تأثرت الآن بالاحتباس الحراري هي بالفعل كبيرة بما فيه الكفاية لتشمل الحيوانات الموجودة في كل قارة.
“لقد قللنا بشكل خطير من آثار تغير المناخ على المجموعات الأكثر شهرة، وهذا يعني أن المجموعات الأخرى من الزواحف والبرمائيات والأسماك والنباتات ما زالت تواجه الخطر، والقصة ستكون أكثر بكثير، وأسوأ بكثير من حيث ما نعتقد أن التهديد هو من تغير المناخ بالفعل “. لقد أصيبت الحيوانات التي تأكل وجبات غذائية محددة أو تعيش على ارتفاعات عالية بصعوبة خاصة نتيجة لتأثيرات المناخ، إلا أن الباحثين أبلغوا عن انخفاض أعدادهم حتى في الحيوانات ذات النظم الغذائية الواسعة النطاق. وتشمل القائمة جميع أنواع الفيلة، ونمور الثلج، والغوريلا الشرقية، وأنواع كثيرة من الطيور.
وجد الباحثون أن الحيوانات التي تتكاثر ببطء وتتطور في مناخات استوائية مستقرة تكافح من أجل التكيف مع البيئة المتغيرة بسرعة، مما يجعلها أكثر عرضة للظواهر المناخية القاسية وتذبذب درجات الحرارة الناجمة عن تغير المناخ. ووفقا لماكيلا باسيفيسي مع البرنامج العالمي لتقييم الثدييات في جامعة سابينزا في روما، وهي مؤلفة الدراسة، تشير التنبؤات إلى أن هذه الحيوانات أكثر عرضة للخطر في المستقبل. وقالت “من المرجح أن هناك احتمال كبير بأن تتأثر أنواع كبيرة من الحيوانات سلباً بالتغيرات المستقبلية في المناخ”.
هل يمكن للحيوانات التكيف مع تغير المناخ؟ بحسب دراسة علمية جديدة قام بها باحثون من ألمانيا بناء على تحليل دقيق لعشرة آلاف دراسة سابقة، فإن الإجابة: نعم، قد تكون الحيوانات قادرة على التكيف، ولكن بوتيرة بطيئة، وهو ما لا يضمن استمرار وجودها في ظل الاحترار السريع الذي تعيشه الأرض اليوم. وتعد مسألة تأثير التغيرات المناخية على مختلف الكائنات الحية في منتهى الأهمية بالنسبة للأرض ومستقبلها. فقد كانت وما زالت موطنا لملايين الأنواع التي تطور بعضها وانقرض بعضها الآخر في الوقت الذي اضطرت فيه أنوع أخرى للتكيف مع تغيرات دراماتيكية متعاقبة في المناخ حصلت على مدى الخمسمئة مليون سنة الماضية.
إن الاحترار الحرارى السريع الذي نعيشه اليوم الناتج عن الاستخدام المفرط للوقود الأحفوري، ينذر بحدوث تحول مهم في الظروف المناخية. وهو يتزامن على ما يبدو مع بداية انقراض جماعي مماثل لانقراضات سابقة ارتبطت بتغيرات في المناخ العالمي في فترات مختلفة من تاريخ الأرض. ويتميز التغير المناخي الحالي بوتيرته السريعة مقارنة بالتغيرات السابقة، لذلك يتساءل العلماء هل يمكن للكائنات الحية بصفة العامة والحيوانات التي لا يمكن ترحيلها إلى المناخات الباردة بصفة خاصة أن تتكيف مع الظروف المتغيرة؟
أحدث الدراسات العلمية التي حاولت تقديم إجابة لهذا السؤال قام بها علماء من معهد لايبنز لبحوث الحيوانات والحياة البرية في برلين، بالتعاون مع ستين باحثا من جميع أنحاء العالم، ونشرت في مجلة “نيتشر كومنيكيشن” في شهر يوليو/تموز الماضي.
بحث العلماء في هذه الدراسة عن أدلة لحصول تغييرات فيسيولوجية أو سلوكية لدى بعض الحيوانات أو في حجمها، لاستيعاب ارتفاع درجات الحرارة ومتطلبات التأقلم مع تغير موعد حلول الفصول. ويطلق علماء الأحياء على هذا النوع من الاستجابة: “التغيير الظاهري”.
وسعى الباحثون في هذه الدراسة إلى البحث على تغيرات في سمات الأنواع مثل توقيت الهجرة والإنجاب والإسبات وغيرها من الأحداث الكبيرة في حياة بعض أنواع الحيوانات على مدار عدة سنوات التي تم اختيارها، والنظر فيما إذا كانت هذه التغيرات قد أدت إلى مستويات أعلى من البقاء على قيد الحياة، أو زيادة في معدلات التكاثر، وتمكنوا في النهاية من العثور على معلومات موثوقة عن 17 نوعا من الحيوانات في 13 دولة. وجاءت معظم البيانات التي عثر عليها العلماء من دراسات سابقة أجريت على الطيور، من بينها أنواع شائعة مثل الحلمة الكبرى (القرقف) أو العقعق الأوروبي أو خاطف الذباب الأبق، إضافة إلى نوع من السلاحف يعيش في نهر المسيسيبي وأنواع مختلفة من الثدييات.
وتوصل العلماء في نهاية الدراسة إلى أن الطيور بوسعها التأقلم مع ظروفها البيئية عند حدوث تغيرات مناخية ولكن ببطيء، أي أنها قد لا تكون قادرة على القيام بذلك بالسرعة اللازمة لتتزامن الهجرات مع بداية الإزهار الربيعي وهجرة الطيور الذي يحدث قبل أوانه من سنة إلى أخرى، أو تعشش في وقت متزامن مع تكاثر الحشرات التي تمثل مصدر الغذاء الرئيسي لصغارها. وفى النهاية يقول مؤلفو الدراسة إنه ما زال يتعين عمل تحاليل دقيقة للاستجابات التكيفية لدى الأنواع النادرة أو المهددة بالانقراض، وهم يخشون أن تكون توقعات استمرار وجود هذه الأنواع أكثر تشاؤما.
كاتب المقال -مؤسس كلية الطب البيطري جامعة عين شمس ووكيل الكلية لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة والمشرف على تأسيس قسم الحياة البرية وحدائق الحيوان استاذ وخبير الحياة البرية والمحميات الطبيعية- اليونسكو وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية وخبير التغيرات المناخية بوزارة البيئة- الأمين العام المساعد للحياة البرية بالاتحاد العربي لحماية الحياة البرية والبحرية- جامعة الدول العربية.