كتب ا.د عاطف محمد كامل احمد، رئيس قسم الحياة البرية وحدائق الحيوان- كلية الطب البيطرى- جامعة قناة السويس، وخبير التنوع البيولوجى ببرنامج الأمم المتحدة للتنمية UNDP، خبير المحميات الطبيعية بمنظمة اليونسكو UNESCO، عضو اللجنة الإستشارية بالإتحاد العربى لحماية الحياة البرية والبحرية ((AFWP التابع لمجلس الوحدة الإقتصادية بجامعة الدول العربية، عضو الجمعية العالمية لحماية الحيوانات بإنجلترا (World Animal Protection) ممثل مصر والشرق الأوسط.
يُعد داء الكلب واحداً من أقدم الأمراض المعروفة للإنسان وأكثرها إثارةً للفزع. ويعود تاريخ السجلات المكتوبة والمصورة عن داء الكلب إلى أكثر من 4000 عام، ويتوطن هذا الداء اليوم في أكثر من 150 بلداً في جميع أنحاء العالم. ورغم أنه يمكن الوقاية من هذا المرض، فإنه يودي بحياة ما يُقَدَّر بنحو 59000 شخص سنوياً، معظمهم في المجتمعات المحلية الأفقر والأضعف في العالم. ونحو 40% من ضحايا المرض من الأطفال دون الخامسة عشرة ممن يعيشون في آسيا وأفريقيا. وتُكتسب نسبة هائلة تبلغ 99% من الحالات البشرية من خلال العقر من كلاب مصابة بالعدوى، لا عن طريق التعرض للحيوانات البرية الكثيرة والمتنوعة التي تقوم بدور المستودعات الفيروسية في مختلف القارات.
لماذا القضاء على داء الكلب؟
ما يقدر بنحو 59000 شخص يموتون من داء الكلب كل عام. هذا شخص كل تسع دقائق من كل يوم ، 40٪ منهم أطفال يعيشون في آسيا وأفريقيا. نظرًا لأن لدغات الكلاب تتسبب في جميع الحالات البشرية تقريبًا ، يمكننا منع وفيات داء الكلب عن طريق زيادة الوعي ، وتلقيح الكلاب لمنع المرض من مصدره وإدارة العلاج المنقذ للحياة بعد عض الأشخاص. لدينا اللقاحات والأدوية والأدوات والتقنيات لمنع الناس من الموت بسبب داء الكلب بوساطة الكلب. بتكلفة منخفضة نسبيًا ، من الممكن كسر دورة المرض وإنقاذ الأرواح.
وقد اتخذ العديد من البلدان على مدار السنوات القليلة الماضية إجراءات لتعزيز الجهود الرامية إلى مكافحة داء الكلب—عن طريق توسيع نطاق برامج تطعيم الكلاب، وتيسير إتاحة المواد البيولوجية البشرية لأغراض العلاج الوقائي بعد التعرض وقبل التعرض، وإشراك المجتمعات المحلية في قضية داء الكلب.
وقد تم التخلص من داء الكلب المنقول بواسطة الكلاب في أوروبا الغربية وكندا والولايات المتحدة الأمريكية واليابان. ولا يُبَلِّغ ما بين 28 بلداً إلى 35 بلداً في أمريكا اللاتينية عن أي حالات وفاة بشرية ناجمة عن داء الكلب المنقول عن طريق الكلاب.
وقد اتُخِذت خطوات كبيرة من أجل خفض الوفيات الناجمة عن داء الكلب في بلدان مثل بنغلاديش والفلبين وسري لانكا وتنزانيا وفييت نام وجنوب أفريقيا، على سبيل المثال لا الحصر.
وقد ولَّدت هذه التجارب معارف جماعية مهمة عن الأنشطة الناجعة، وعززت كلاً من جودة البيانات المتعلقة بداء الكلب وترسانةَ الأدوات المتاحة لدينا لإعداد برامج مكافحة داء الكلب، وبناء القدرات، والتثقيف، والترصد.وحتى عهد قريب، كانت الاستجابة العالمية لداء الكلب تتسم بالتجزؤ وانعدام التنسيق.
والآن، وللمرة الأولى، فإن كلاً من منظمة الصحة العالمية، ومنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، والمنظمة العالمية لصحة الحيوان، والتحالف العالمي لمكافحة داء الكلب، يعكفون على توحيد القوى من أجل دعم البلدان في سعيها إلى تسريع وتيرة الإجراءات الرامية إلى التخلص من داء الكلب المنقول بواسطة الكلاب بحلول عام 2030. وقد تمكنا، في أعقاب مشاورات موسعة أُجريت مع البلدان المتضررة، من وضع خطة استراتيجية عالمية نعكف على نشرها اليوم تستهدف وضع نهاية للوفيات البشرية الناجمة عن داء الكلب المنقول بواسطة الكلاب بحلول عام 2030.
وترسم هذه الخطة الطموحة المكونة من ثلاث مراحل خريطة للتغيرات المجتمعية اللازمة لبلوغ هذا الهدف. وتولي هذه الخطة الأولوية إلى العمل بطريقة تستهدف مستودع المرض في الكلاب، وتوائم بين الاستجابة لداء الكلب وبين الجهود الرامية إلى تعزيز النظم الصحية.
وتحدد الخطة الاستراتيجية العالمية الجديدة المستهدفة للتخاص من داء الكلب (السعار) وهى مذكرة تفاهم ثلاثية موقعة في أيار/مايو 2018 فيما بين منظمة الصحة العالمي (WHO)، ومنظمة الأغذية والزراعة (FAW)، والمنظمة العالمية لصحة لحيوان (Oie) وشعار الشراكة الجديدة التي تركز على داء الكلب—والمعروفة باسم “متحدون لمكافحة داء الكلب”ثلاثة أغراض للبلدان المتضررة، والشركاء في مجال التنمية، وأصحاب المصلحة الرئيسيين، أي التحديات التي تستلزم اتباع نهج “الصحة الواحدة” الأصيل.
ألا وهي: الاستخدام الفعال للقاحات والأدوية والأدوات والتكنولوجيات التي من شأنها أن توقف سريان داء الكلب الكلبي وتحد من خطر الوفيات البشرية الناجمة عنه؛ وتوليد الإرشادات المُسَنَّدة بالبيِّنات والبيانات عالية الجودة اللازمة لقياس الأثر وتوجيه القرارات المتعلقة بالسياسات؛ وتسخير مشاركة أصحاب المصلحة المتعددين بُغية الحفاظ على الالتزامات المقطوعة والموارد المطلوبة.
ولدعم تنفيذ الخطة الاستراتيجية العالمية، كَلَّف التحالف العالمي من أجل اللقاحات والتمنيع، المعروف اختصاراً باسم تحالف اللقاحات، بإجراء مجموعة من الدراسات القطرية بهدف زيادة فهم نظم التوزيع والتقديم الحالية الخاصة بالعلاج الوقائي بعد التعرض.
ونحن نتطلع إلى قرار مجلس إدارة التحالف المزمع اتخاذه في وقت لاحق هذا العام بشأن ما إذا كان سيتم إدراج داء الكلب في استراتيجية التحالف الاستثمارية القادمة المعنية باللقاحات.ومن الضروري، حتى نحقق هدفنا بالتخلص من داء الكلب المنقول بواسطة الكلاب بحلول عام 2030، أن نضع أساساً مستداماً للاستجابة العالمية لداء الكلب على مدى السنوات الخمس القادمة.
ويقتضي هذا الأمر اتباع استراتيجية تدريجية متعددة الجوانب في جميع البلدان المتضررة، تستند إلى التنسيق الوثيق بين القطاعات البشرية والبيطرية وجماعة الممارسين على اتساعها.
ويستلزم إشراك المجتمعات المحلية والعاملين الصحيين لتكوين الوعي بالمشكلة والوقاية من التعرض للعقر؛ وللوقاية من سريان المرض عن طريق تقديم التدبير العلاجي لأسراب الكلاب وضمان اكتساب المناعة الجماعية من خلال تطعيم الكلاب؛ ولتوفير العلاج الوقائي والرعاية بعد التعرض للضحايا المعرضين للعقر.
وسوف يؤدي التخلص من داء الكلب المنقول بواسطة الكلاب، ليس فحسب إلى إنقاذ أرواح ما يُقَدَّر بنحو 300000 شخص في غضون خمس سنوات، وإلى تحسين الظروف المعيشية لملايين الأشخاص، وإنما سيؤدي أيضاً إلى الإسهام في تحسين الأمن الصحي العالمي.
وطبقاً للتحليل المجرى من جانبنا، فإن الاستثمار في التخلص من داء الكلب على مستوى العالم سيؤدي في نهاية المطاف إلى تحرير ما يُقَدَّر بنحو 8.6 مليار دولار أمريكي في جانب الموارد الاقتصادية سنوياً.
وسوف يؤدي تنفيذ إرشادات المنظمة الجديدة الصادرة مؤخراً بشأن جداول التطعيم البشري المعجلة (بما في ذلك الخيارات المعجلة الموفرة للجرعات والتكاليف قبل التعرض وبعد التعرض)، وتطبيق المعايير الدولية الصادرة عن المنظمة العالمية لصحة لحيوان بشأن تشخيص داء الكلب لدى الحيوانات والتطعيم ضده ومكافحته، إلى زيادة الجدوى وتبسيط الإجراءات عند تنفيذ البرامج، الأمر الذي يسمح للبلدان بالمُضي قُدُماً بتنفيذ الخطة الاستراتيجية العالمية.
ونمر في الوقت الراهن بنقطة تحول بالغة الأهمية في ميدان مكافحة داء الكلب، ونحن مستعدون لشن هجوم شامل على هذا المرض. وينبغي أن تكون الاستجابة العالمية لداء الكلب جزأً لا يتجزأ بشكل محكم من الجهود الوطنية الرامية إلى توسيع نطاق مشاركة المجتمع المحلي والقطاع الخاص وتعزيز النظم الصحية للإنسان والحيوان، وذلك بهدف المُضي قُدُماً صوب تحقيق التغطية الصحية الشاملة للجميع.
وسوف يكون التقدم العالمي المحرز بشأن مكافحة داء الكلب بمثابة مؤشر تتبعي رئيسي للتقدم المحرز صوب إتاحة الرعاية الصحية على نحو أكثر إنصافاً، وبمثابة مستكشف مبكر للتنفيذ الفعال لخطط العمل الوطنية المعنية بنهج “الصحة الواحدة”.وبفضل تنفيذ الخطة الاستراتيجية العالمية لوضع نهاية للوفيات البشرية الناجمة عن داء الكلب المنقول بواسطة الكلاب بحلول عام 2030، ستقطع البلدان المتضررة خطوة كبرى تقربها من تحقيق الغاية الواردة في الهدف 3 من أهداف التنمية المستدامة والرامية إلى “وضع نهاية لأوبئة الأيدز والسل والملاريا والأمراض المدارية المهملة”.
وسوف تحرز هذه البلدان أيضاً تقدماً بالغ الأهمية صوب بلوغ الهدف 3-8 من أهداف التنمية المستدامة بشأن تحقيق التغطية الصحية الشاملة.
وستواصل تلك الممنظمات الدولية دعم البلدان من أجل وضع حد للوفيات البشرية الناجمة عن داء الكلب الكلبي، وتواصل دعوة الآخرين إلى الانضمام لشراكة “متحدون لمكافحة داء الكلب” في هذا الجهد التاريخي.
يستفيد النظام الصحي للبلد من بناء القدرات اللازمة لمراقبة داء الكلب. يعزز هذا النشاط الأساسي النظام الصحي من خلال تحسين آليات مراقبة الأمراض الأخرى وتوسيع نطاق الوصول إلى الرعاية الصحية. التقليل من الازدواجية وتحسين الكفاءة من خلال تجميع الموارد وتطوير شبكات خدمات صحية قوية يوفر المال ويحقق أقصى استفادة من الموارد. يمكن للبلدان مضاعفة تأثير كل دولار يتم استثماره.
إن الاستثمار في القضاء على داء الكلب ينقذ الأرواح ويقوي أنظمة الصحة البشرية والبيطرية. تساهم الاستجابة التعاونية، من خلال برامج داء الكلب، في الوقاية من الأمراض والتأهب لها. وهذا يعني القضاء التام على داء الكلب هو نموذج للتعاون في مجال الصحة.
في الماضي، كانت الاستجابة العالمية ضعيفة ومجزأة وغير منسقة. نحن بحاجة الأن إلى كسر الوضع الراهن والتوحد مع إرادة مشتركة وهدف واحد يمكن تحقيقه وخطة مشتركة دولية للحد من هذا المرض الخطير فى الكلاب وخاصة الضالة والمرباة بالمنزل والبرية أيضا.