كتبت-سامية الفقى
6 أشهر فقط قضاها الدكتور جمال شعبان عميدا لمعهد القلب، كانت كافية لمظاهرة حب جارفة، اندلعت عقب قرار وزيرة الصحة الدكتورة هالة زايد بإقالته من منصبه، اعتمادا على تقارير تشير إلى عدد من الأخطاء رصدتها لجنة مشكلة من الغرفة المركزية، لمتابعة إنهاء قوائم الانتظار بمعهد القلب وفقا لتصريحات خالد مجاهد المتحدث الرسمي باسم الوزارة.
الرواية الرسمية لوزارة الصحة تؤكد أن إقالة شعبان جاءت نتيجة تقاعسه عن أداء مهام عمله، لكن شهود عيان يؤكدون أن قرار الإقالة صدر بعد مشادة كلامية بين الوزيرة والعميد خلال زيارتها الأخيرة للمعهد يوم الخميس الماضي، بدأتها الوزيرة بهجوم ضارٍ على المستوى الطبي المتردي الذي وصل إليه المعهد خلال فترة تولى شعبان مهام عمله، وهو ما قوبل باستنكار من عميد المعهد، وبتأكيد على أن الوزيرة تهدر جهد زملائه من الأطباء والممرضين والعمال، الذين يواصلون الليل بالنهار لتقديم خدمة طبية تليق بالمرضى المترددين على المعهد.
ووفقا لطبيب شاب حضر الواقعة رفض ذكر اسمه انفعلت الوزيرة على “شعبان” قائلة:” على فكرة أنت بتكلم وزيرة ما تنساش نفسك”، مشيرا إلى أن العميد احتفظ بأقصى درجات ضبط النفس، وأكد احترامه لمنصبها، ولكنه استكمل حديثه، مشيرا إلى أن المعهد كان في حالة يرثى لها قبل استلامه مهام منصبه ، وأنه مع الفريق المعاون له بذلوا جهودا كبيرة في النهوض بكافة الخدمات التي يقدمها المعهد، وعلى رأسها عمليات القسطرة التي كان يعانى المرضى من الحصول عليها، وكانت قوائم الانتظار بها كبيرة للغاية.
لم تقتنع الوزيرة ــ حسب الطبيب ــ بكلام مدير المعهد، وأمرت بإحالته فورا للتحقيق، لتقاعسه عن تنفيذ المهام الموكلة إليه، وتراجع عدد العمليات الجراحية التي يقدمها المعهد للمرضى، رغم أن الوزارة نفسها كانت أصدرت بيانا من قبل أكدت فيه أن معهد القلب القومي حقق المركز الأول في مبادرة القضاء على قوائم الانتظار بعدد عمليات يقترب من الـ5 آلاف عملية. !!
وتطرق شاهد الواقعة إلى التغيير الكبير الذي أحدثه شعبان في طريقة التعامل مع المرضى المترددين على المعهد، قائلا:” يكفي أن هناك جملة كانت تتردد دائما سواء من المرضى أو حتى من الأطباء والممرضين هي (المعهد قبل تولى جمال شعبان المسئولية حاجة وبعده حاجة تانية خالص)، مشيرا إلى أن مدير المعهد المقال كان يرفع شعار “العلاج أولا” عكس ما كان يحدث في الماضي، حيث كان المريض ينتظر أولا استكمال أوراقه كشرط أساسي قبل التعامل معه، أو إجراء أي عمليات جراحية، مشددا على أن “شعبان” منع استخدام “مذيب الجلطات” في الاستقبال، وأعطى تعليمات مشددة بأن يتم إدخال المريض إلى العمليات وإجراء القسطرة وفقا للقواعد العالمية المتبعة في كافة المستشفيات في أوروبا وأمريكا.
طبيب آخر في استقبال المعهد ــ رفض الإفصاح عن اسمه ــ أكد أنه فور تولى شعبان إدارة المعهد زادت ساعات العمل وتضاعفت المرات التي تفتح فيها غرف العمليات بأربعة أضعاف وأكثر، مشيرا إلى أن العمل أحيانا كان يستمر لأكثر من 14 ساعة في الشيفت الواحد، مضيفا :” “ماكنش ممكن تشوفي حالة ملهاش سرير، لو حد فقير أو محتاج يقف هو بنفسه يشرف على عملية القسطرة الخاصة بقلبه حتى تنتهي، وكان ممكن توصل إننا نجري نحو ٤٠ عملية جراحية في اليوم، فضلا عن إنه في عهده تم عمل نحو ٧٠٠٠ عملية وقسطرة وتركيب دعامات في 6 أشهر فقط، وهو رقم ضخم للغاية بالمقاييس الطبية”.
على مستوى المرضى كان الاختلاف في المعاملة واضحا للغاية بين فترة تولى شعبان المعهد وما قبلها وما بعدها، وكل الشهادات التي حصلنا عليها من المرضى الذين يفترشون أرصفة المعهد تشير إلى أن العميد المقال نجح في القضاء على البيروقراطية والروتين، وقدم نموذجا مختلفا لإدارة المستشفيات الحكومية، ويسيطر غضب عارم على المرضى وذويهم، الرافضين لقرار الإطاحة بعميد المعهد.
منذ ثلاثة أيام، وهي تتخذ الهيئة ذاتها على الرصيف المواجه لمدخل العيادات الخاصة بمعهد القلب القومي بمنطقة الكيت كات بالجيزة، بطانية سميكة وردية اللون تحاصر جسدها المنهك بشكل تام، تجلس بجانبها ابنتها الصغرى وشقيقها يحتسيان الشاي في انتظار لحظة يخرج فيها أحد الأطباء عليهم، ليخبرهم بإمكانية دخول المبنى واحتجاز سرير: “أنا عاملة قسطرة في قلبي من ٣ أيام، وكانت في حضور دكتور جمال شعبان شخصيا، وقف معايا وأنا بعملها لآخر لحظة، لما تعبت ورجعت تاني أول إمبارح رفضوا يدخلوني، سألت عليه قالوا الدكتور جمال خلاص مبقاش مدير المعهد”، بصوت هادئ ومنخفض تهم الأربعينية ابنة محافظة المنيا في طرح أسئلتها التي ظلت طيلة الأيام الماضية تطرحها “ليه شالوه ده كان حنين علينا”.
أربعة عشر عاما قضتهم جيهان بين أروقة معهد القلب، أصبحت زياراتها له شبه دورية ودون انقطاع، لكنها لا تزال تتذكر الخمسة أشهر الأخيرة على وجه التحديد، حينما ضعفت عضلة قلبها وكادت تتوقف، وحضرت رفقة ابنها الأكبر إلى المعهد وكان الدكتور جمال شعبان في استقبالها: “خرج بنفسه وقالي هتبقي زي الفل يا حاجة وأوعدك بكده”.
تلتقط ابنتها خيط الحديث قائلة: “المنظر اللي حوالينا ده مكنش موجود، إنك تلاقي مريض نايم على الرصيف دي استحالة، كان يمكن الأهالي هما اللي بيجلسوا بالشكل ده في انتظار ذويهم، خاصة لو كانوا من مدن بعيدة وملهمش قرايب في مصر”، تشير الابنة إلى بعض المرضى الجالسين بالقرب منها على الرصيف ذاته، البعض يخلد إلى نوم يمرر به ثقل اليوم، والآخر ينتظر دوره في الحصول على سرير.
“إمبارح بالليل فيه واحد عنده نحو ٦٠ سنة توفى قدام عيني هنا، قلبه وقف علشان مكنش فيه غير طبيب واحد فقط في الطوارئ، وكان لسه حديث التخرج”.. بهذه الكلمات يستنكر أحمد عبد المقصود الذي حضر رفقة والدة زوجته للاطمئنان عليها بعد تدهور حالتها الصحية في الأشهر الأخير، ما آل إليه حال المعهد خلال يومين فقط غاب عنه الدكتور جمال شعبان، :”أنا باجي هنا كل فترة وبشوف الوضع في وقت إداراته للمعهد ودلوقتي وبقارن بين الحالتين، إحنا ليه أي شخص شايف شغله بنطيره!”.
حالة التكدس في ممرات قسم الطوارئ والعيادات، ونوم بعض المرضى على الأرصفة فقط لأنهم ليس لهم سرير بالداخل، يؤكد أحمد أنها حديثة العهد بالمعهد ولم يرها أيام إدارة شعبان للمعهد: “مكنش فيه مريض يجي يقول له أنا عايز أدخل ويمنعه”.
أما أبو توماس ابن مركز ملوي بمحافظة المنيا، والذي اقتطع هو الآخر جانبا من الرصيف في انتظار تحسن حالة ابنه ذي الأربعة أعوام، فوقع عليه خبر إقالة شعبان كالصاعقة:”إزاي يمشوه الرجل ده أنا جيت له بابنيـ وهو عنده ثقب في القلب من أربع شهور، وقلت له أنا بقالي أربع سنين ما بين أبو الريش والتأمين الصحي ومحدش عايز يعمله العملية، طبطب على كتفي وقالي العملية هتتعمل، خليك مع خدمة قوائم الانتظار، لكني فوجئت أنهم هنا وقتها كلموني قبل الخدمة وجيت عملتها للولد هنا”.
[divide]
لمشاركة الموضوع: http://etufegypt.com/?p=43920