التعليم العام والفني والتدريب المهني يواجه تحديات يجب التصدي لها ومعالجتها
تراجع قدرة القطاع العام ومحدودية حجم القطاع الخاص وراء إنتشار ظاهرة البطالة
تطوير سياسات التشغيل وتدعيم حركة العمالة وتعديل الأساليب الإقتصادية ضرورة ملحة
عرض | أميرة عبد اللـه
أكد جمال دسوقى نائب رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال مصر أن قطاع التعليم العام وقطاع التدريب المهني والتقني في الدول العربية يواجه عدداً من التحديات التي ينبغي الإستمرار في التصدي لها ومعالجتها في السنوات القادمة.
جاء ذلك في ورقة العمل التي تقدم بها دسوقي للندوة القومية التي عقدتها منظمة العمل العربية بالعاصمة الجزائرية حول «تنمية الموارد البشرية وزيادة القابلية لتشغيل الشباب العربى» ممثلا عن الاتحاد العام.
قال إن تنمية الموارد البشرية بما انها هى الركيزة الرئيسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية وأهم عوامل استمرارها, وإذا كان تحقيق رفاهية الإنسان فى مجتمع متطور اقتصاديا واجتماعيا وحضاريا هو غاية التنمية فإن ذلك لا يمكن تحقيقه فى غياب الإنسان المتعلم والماهر والمواطن المنتج المساهم فى بناء مجتمعه وتطوير حضارته والفرد المثقف الملتزم بالقيم والمثل الإنسانية والدينية العليا والمعتد بحضارته مع انفتاحه على حضارات وثقافات الآخرين.
وانطلاقا من هذا المفهوم أولت الدول العربية اهتماما خاصا بقطاع التعليم وعملت على توفيره للجميع وبالرغم من النتائج المرموقة التى حققتها الدول العربية في مسيرتها التعليمية فإن قطاع التعليم العام وقطاع التعليم والتدريب المنهجى والتقنى يواجه عددا من التحديات التى ينبغى الاستمرار فى التصدى لها ومعالجتها فى السنوات القادمة ومن أبرزها تحقيق الالتحاق الشامل فى مرحلة التعليم الأساسى وزيادة معدلات الالتحاق بالمراحل الأخرى والمحو الكامل للأمية وتحسين نوعية مخرجات نظام التعليم العام ومنظومة التعليم والتدريب المهنى والتقنى عن طريق كفاءته الداخلية والخارجية ومواكبة نمو الطلب على خدمات التعليم هذا بالاضافة إلى دعم دور القطاع الخاص فى تقدم المسيرة التعليمية وتعزيز التعليم وتنميته.
أشار إلى مشكلة البطالة فى الوطن العربى التى تعد من الخواص التى يتم استخدامها بشكل واسع لمعرفة حجم انتشار ظاهرة البطالة فى أى مجتمع من المجتمعات كما انها تعكس بشكل كبير قدرة اسواق العمل على استيعاب العرض من الأيدى العاملة ويواجه واضعوا السياسات فى الدول العربية عددا من المشاكل المرتبطة بسوق العمل منها: البطالة وانتشار ظاهرة الفقر وتدني مشاركة النساء فى النشاط الاقتصادى وتدنى مستويات الأجور ولا شك ان الحد من انتشار ظاهرتى البطالة والفقر سينعكس بشكل ايجابي على المستويات المعيشية للسكان ويساهم بالتالى فى تحقيق التنمية المستدامة.
فقد ساهم التحول الديموغرافى والهجرة الداخلية من الحضر إلى الريف فى النمو السكانى السريع فى خلق ضغوط شديدة على أسواق العمل لاسيما في المناطق الحضرية وفى حين ان هذه الضغوط كانت تعمل بشكل مستمر في عقد السبعينيات والسنوات القليلة من عقد الثمانينيات من القرن العشرين إلا ان تأثيرها على أسواق العمل العربية كان غير ملاحظ بشكل واضح وخاصة خلال الفترات التى تميزت بارتفاع أسعار النفط ومنذ منتصف الثمانينيات من القرن الماضى أصبحت الانعكاسات التي تحدثها فعاليات التحول الديموغرافى والهجرة الداخلية فى الدول العربية أكثر وضوحا فى ظل التباطؤ والركود الاقتصادى فى المنطقة العربية مما أدى إلى تراجع قدرات الأسواق العربية على استيعاب الأعداد الكبيرة من الداخلين الجدد إلى أسواق العمل وبرزت ظاهرة البطالة كظاهرة سلبية ملازمة لأسواق العمل فى الدول العربية كافة دون استثناء ولو بدرجات متفاوتة.
أوضح أن وهناك ثلاثة اسباب رئيسية أدت إلى تفاقم هذه ظاهرة البطالة فى الدول العربية يتعلق أولها بتراجع قدرة القطاع العام على تشغيل الأيدى العاملة العربية كافة مع الارتفاع المستمر فى اعداد الداخلين الجدد لأسواق العمل فالقطاع العام يشغل حاليا ما يقرب من ثلث العاملين فى المنطقة ويعانى هذا القطاع من كبر الحجم وانخفاض الانتاجية ومن المتوقع أن تقل مساهمة هذا القطاع فى التشغيل فى المستقبل فى ظل برامج الخصخصة التي تنفذها دول عربية كثيرة.
ويتمثل السبب الثانى فى محدودية حجم القطاع الخاص وعدم قدرته على توفير فرص عمل كافية للباحثين عن العمل فى المنطقة إذ تشكل الديون المباشرة وغير المباشرة المفروضة على الاستثمار وعدم توافر البيئة الاقتصادية والسياسية المناسبة وسيطرت على الاقتصاد مشكلة أساسية أمام توسع هذا القطاع وقيامه بدور فاعل فى دفع عجلة التنمية وتوفير فرص عمل للأعداد المتزايدة من الداخلين الجدد لأسواق العمل العربية.
ويتعلق السبب الثالث بجودة التعليم ونوعيته فى الدول العربية إذ تعانى هذه الدول من توجه غالبية الشبان والشابات إلى التعليم فى المجالات الاكاديمية سعيا للحصول على فرص عمل فى القطاع العام الذي يقدم الحوافز الوظيفية كالاستقرار الوظيفى والتأمين الصحي والمخصصات التقاعدية ويفتقر النظام التعليمي بالكثير من الدول العربية إلى التركيز على المناهج التعليمية المتعلقة بالجوانب الفنية والمهنية التى تعد من التخصصات التى تحتاجها انشطة اقتصادية متعددة فى رأسواق العمل وعليه فإن المخرجات التعليمية فى كثير من الدول العربية لا تتوافق مع احتياجات اسواق العمل وأولوياتها بالاضافة إلى أن الكثير من الشبان والشابات يواجهون صعوبات فى استكمال دراستهم خصوصا الدراسة الجامعية بسبب محدودية الموارد المالية لأسرهم وارتفاع تكلفة التعليم الجامعي سواء فى الجامعات الرسمية أم الخاصة.
كشف دسوقي أن مما يزيد مشكلة البطالة تعقيدا افتقار غالبية الدول العربية إلى المؤسسات والسياسات الفاعلة لتنظيم اسواق العمل وغياب شبكات الضمان الاجتماعى فقد ساهمت الهجرة إلى دول الخليج فى الحد من مشكلة البطالة فى بعض الدول كالأردن وفلسطين ومصر وسوريا ولبنان والمغرب ولو بشكل طفيف إلا ان حجم الهجرة إلى هذه الدول بدأ بالتضاؤل نتيجة لتطبيق برامج توطين الوظائف والمنافسة الشديدة التى يواجهها المهاجرون من العمالة الآسيوية وغير الآسيوية على الفرص المتاحة فى أسواق العمل الخليجية ومن الجدير بالذكر ان امكانية الهجرة هى فى الغالب مقصورة على حملة الشهادات العليا والمهارات المميزة وتقل هذه الامكانية بشكل كبير أمام الأيدى العاملة ذات المهارة المتدنية التى تسعى للعمل فى أنشطة اقتصادية معينة كالإنشاءات والخدمات نتيجة للمنافسة الحادة من قبل العمالة الآسيوية التى تقبل العمل مقابل أجور متدنية فى غالب الأحيان.
وليس هناك شك فى وجود خلل فى سوق العمل بين جانبى العرض والطلب ويقصد بجانب العرض جميع الراغبين فى العمل من الخريجين الجدد من مؤسسات التعليم والتدريب والراغبين فى الالتحاق بعمل أفل وفائض العمالة بسبب الخصخصة والراغبين فى العمل بعد انتهاء عقود عملهم المؤقتة سواء داخل بلدهم أو المهاجرين مؤقتا للعمل بالخارج ويقصد بجانب الطلب فرص العمل فى القطاعات والتخصصات المختلفة سواء المحلية أم الأجنبية.
وعلى المستوى العربى يوجد عدم توازن بين جانبى العرض والطلب وذلك على النحو التالى:
- التباين فى توزيع قوة العمل جغرافيا سواء على المستوى القطرى أم القومى.
- التوزيع غير المتوازن لقوة العمل على الأنشطة المختلفة حيث تتركز قوة العمل فى الزراعة والصناعات التحويلية وتجارة الجملة والتجزئة.
- عدم التوازن بين مخرجات التعليم والتدريب واحتياجات سوق العمل.
- عجز الاقتصاد العربى عن توفير فرص عمل للقوى العاملة العربية وزيادة نسبة البطالة فى عدد من الدول العربية.
ولمواجهة مشكلة البطالة فى البلدان العربية فمن الضرورى تعديل السياسات العربية وتعديل السياسات الاقتصادية العربية لتوليد فرص عمل حقيقية لتوسيع القاعدة الانتاجية العربية واضافة طاقات انتاجية جديدة وتشغيل الطاقات الانتاجية المتعطلة عن طريق الاستثمارات الجديدة بصفة عامة والاستثمارات المكثفة للعمالة بصفة خاصة اضافة إلى تعديل سياسات الاستثمار البشرى المباشر كالتعليم ولتدريب والتشغيل والاعلام وغير المباشر مثل سياسات الأجور والتشريعات العمالية.
طالب دسوقي ضرورة وضع سياسة لسوق العمل تهدف إلى تدعيم حركة العمالة من خلال تطوير وتحديث وتفعيل خدمات الاستخدامات الحكومية والخاصة محليا وخارجيا وإنشاء نظم لمعلومات سوق العمل يتم تحديثها دوريا ووضع الأطر التشريعية لتحفيز دخول القطاع الخاص فى مشروعات التعليم الفنى والتدريب المهنى وخدمات الاستخدام والاستثمار فيها ودعم مشروعات تأهيل العمالة للمنافسة علي فرص عمل حقيقية بالأسواق الخارجية.
كما يتطلب الأمر تطوير سياسات التشغيل فى الوطن العربى من خلال توجيه سياسات الاستثمار والسياسات المالية والنقدية والتجارية فى الوطن العربى بما يعزز الطلب على العمل ودعم وتشجيع المشروعات الصغيرة وربطها بالمؤسسات الكبرى والنهوض بالتشغيل فى القطاع غر المنظم عبر التدريب والتسويق والابتكار والتمويل وتحسين خدمات التشغيل ومساعدة الباحثين عن عمل وتشديد عمليات التفتيش وزيادة التقيد بتشريعات العمل وتعزيز الحوار الاجتماعى وزيادة العضوية فى المنظمات النقابية العمالية.
وكان الهدف من تلك الندوة هو التعرف على مفهوم التنمية البشرية وواقعها فى المنطقة العربية وأهم الاتجاهات والوسائل الحديثة التى تساعد على دعم منظومة التشغيل والحد من البطالة فضلا عن تعميم الاستفادة وتبادل التجارب والخبرات فيما بين المعنيين بقضايا التنمية البشرية والتشغيل فى الوطن العربى ومناقشة العوامل المساعدة على ربط منظومة التدريب والتعليم التقنى والمهنى باحتياجات التنمية وتغيرات أسواق العمل وايجاد الحلول المناسبة لتذليل الصعوبات التى تواجه منظومة تنمية الموارد البشرية فى الدول العربية وتعزيز التعاون العربى الثنائى وشبه الجماعى لتنمية القوى العاملة العربية وتيسير تنقلها ومعالجة مشكلات البطالة فى الوطن العربى والتأكيد على أهمية تطوير مكاتب التشغيل ودعم برامج ايجاد فرص عمل وحث رواد الأعمال ووضع آليات تشجيع المنشآت الصغيرة وزيادة مساهمة المرأة فى النشاط الاقتصادى وتعميم الفائدة وتبادل الخبرات والتجارب فيما بين المعنيين بقضايا تنمية الموارد البشرية فى الدول العربية والاطلاع على تجارب دولية يمكن الاستفادة منها.
اعتمدت الندوة على عدة محاور هامة منها تشخيص واقع التنمية البشرية فى الدول العربية وأنماط العمل الجديدة ودورها فى ادماج الموارد البشرية فى النشاط الاقتصادى واقتصاد المعرفة ومصادر التعليم الجديدة وتحسين القدرة التنافسية للموارد البشرية العربية والانتاجية العربية وتعظيم دور المورارد البشرية ورؤية استراتيجية عربية شاملة فى مجال التنمية البشرية لرفع التحديات الاقتصادية والاجتماعية بالبلدان العربية وريادة الأعمال ودور المنشآت الصغيرة والمتوسطة فى الحد من مشكلة البطالة والاتصال المؤسساتى وقضايا التشغيل ودور القطاع الخاص فى التنمية البشرية ودور التشغيل والارشاد والتوجيه المهنى فى تشغيل الشباب العربى وعرض للتجارب العربية والدولية الناجحة فى مجال تنمية الموارد البشرية.
عقدت الندوة برعاية محمد الغازى وزير العمل والتشغيل والضمان الاجتماعى بالجزائر.
شارك فيها ممثلو وزارات العمل والتشغيل بالبلدان العربية واصحاب الأعمال واتحادات العمال ومنظمات دولية واقليمية وعربية والجهات المعنية بالتنمية البشرية.