اولا: تعريف بالاتحاد الدولى لنقابات العمال العرب
نشأ الاتحاد الدولى لنقابات العمال العرب فى الأساس كأداة تنظيمية سياسية للطبقة العاملة العربية فى كفاحها القومى من أجل التحرر الوطنى والاستقلال، وفى نضالها من أجل الوحدة العربية، وفى طموحها المشروع لإحداث التحولات الاجتماعية فى الوطن العربى والانتصار لقضايا الحقوق والحريات النقابية ولحق التنظيم. ومع ذلك فإن الطابع السائد فى أنشطة الاتحاد وتوجهاته له أبعاده السياسية، واهتمامات قيادته تتركز أساسا على القضايا القومية وفى مقدمتها القضية الفلسطينية والصراع العربى الصهيونى.
فى الرابع والعشرين من شهر آذار (مارس) 1956 وعلى ضوء الاجتماع الذى عقدته قيادات نقابية ممثلة لسبع منظمات عمالية عربية فى خمسة أقطار عربية هى: مصر – سوريا – لبنان – الأردن – ليبيا، أعلن فى دمشق عاصمة الجمهورية العربية السورية عن قيام الاتحاد الدولى لنقابات العمال العرب كإطار معبر عن وحدة كفاح ومصير الطبقة العاملة العربية.
لقد جاء تأسيس الاتحاد قبل خمسين عاما تتويجا لنضالات الطبقة العاملة وتضحياتها الكبرى بهدف إيجاد تنظيم عربى يعمل على تحقيق تطلعاتها الطبقية (الوطنية والقومية)، ويقوى من تلاحمها فى الكفاح من أجل مواجهة الأخطار المهددة لأهدافها وطموحاتها المستقبلية، ويضع حجر الأساس لوحدة الأمة العربية لإيمانها المطلق بأن تحرر الأرض العربية من الهيمنة الامبريالية والصهيونية والرجعية بكافة مظاهرها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والفكرية مرهون بحجم الدور الذى تؤديه الطبقة العاملة فى قيادة المجتمع العربى، وبما يعزز من دورها النضالى فى إقامة المجتمع العربى الاشتراكى الموحد.
لقد نمت عضوية الاتحاد بشكل ملحوظ وأصبح فاعلا أكثر فأكثر خلال الستينات والسبعينات من القرن الماضى بانضمام المغرب والجزائر والعراق والكويت وفلسطين والسودان واليمن الديمقراطى واليمن الشمالى والصومال وموريتانيا وجيبوتى وتونس.
وقد كانت الأقطار العربية التى سبقت فيها الحركة النقابية فى الظهور هى الأقطار التى أخذت قبل غيرها بنظام التصنيع وازداد فيها نمو الحركة الوطنية والتحررية.
وقد كانت مصر من أولى الدول العربية التى عرفت التنظيم النقابى، حيث تأسست فى القاهرة نقابة عمال الدخان والسجائر فى عام 1899 التى استهلت أعمالها فى نفس العام بإعلان إضاب للمطالبة بتحسين أجور العمال، ثم شهدت الفترة ما بين الحربين العالميتين ظهور التنظيم النقابى فى فلسطين وسوريا والعراق ولبنان.. وفى الخمسينات من القرن الماضى انبثقت فى أقطار المغرب العربى تنظيمات نقابية مستقلة عن التنظيمات التى كانت قائمة فى هذه الأقطار والتى تعتبر فروعا للتنظيمات النقابية الأم فى أوروبا بحكم التواجد العسكرى الاستعمارى.
– شارك هذا الاتحاد كمراقب فى جميع مؤتمرات منظمة العمل الدولية السنوية وقد اطلع على التقارير السنوية للجنة الحريات النقابية المنبثقة من مجلس إدارة منظمة العمل الدولية والتى وجهت انتقادات شديدة لحكومات مصر المتعاقبة لانتهاكها الاتفاقيات الدولية التى صادقت عليها جمهورية مصر العربية وهى الاتفاقية الدولية رقم 98 لسنة 1949 الخاصة بالتفاوض الاختيارى وحق التنظيم والتى صادقت عليها مصر فى عام 1954 كذلك الاتفاقية الدولية رقم 87 لسنة 1948 والتى صادقت عليها مصر فى عام 1957 وكذا الاتفاقية التنفيذية للعهد الدولى للحريات والحقوق الاقتصادية والمصادق عليها من جمهورية مصر العربية عام 1981 مما يؤكد أن هذا الاتحاد كان وما زال ضد الحريات النقابية ويقف داعما للقيادات الرافضة لإقرار هذا المبدأ حفاظا على مواقعهم ومكتسباتهم.
– يدعم هذا الاتحاد من الدول العربية النظام السورى من خلال اتحاد النقابات به والنظام الليبى السابق من خلال اتحاد المنتجين وكذلك النظام السودانى من خلال اتحاد النقابات به.
ثانيا: الزعم بأن قرار حل اتحاد نقابات عمال مصر بقرار من وزير القوى العاملة يمثل اعتداء على الحرية النقابية:
– فى هذا الصدد نود الإشارة إلى صدور عدة أحكام قضائية ببطلان الدورة النقابية عام 2001/2006 وهى أحكام نهائية واجبة النفاذ ولم تقم وزيرة القوى العاملة بتنفيذ هذه الأحكام بحسبان أنها جاءت من خلال عضويتها فى مجلس إدارة هذا الاتحاد بل كان التزاوج المفروض بين وزارة القوى العاملة والاتحاد يمثل صورة صارخة للاعتداء على الحريات النقابية بما كان يمارس من تدخل سافر بمقتضى قانون النقابات رقم 35 لسنة 1976 فى فرض قيود عديدة على شروط الترشيح سواء للجان النقابية أو النقابات العامة أو الاتحاد العام حتى فى ظل هذه القيود الواردة فى القانون قد أهدرت هى الأخرى لصالح تصعيد قيادات بعينها بدعم من جهاز أمن الدولة المنحل مما كبل خزانة الدولة بتعويضات مالية دفعتها وزارة القوى العاملة من موازنة الدولة بلغت 750 ألف جنيه (سبعمائة وخمسون ألف جنيه).
– وبالرغم من ذلك كان يجب على وزيرة القوى العاملة ورئيس الاتحاد أن يسعيا معا لتعديل قانون النقابات رقم 35 لسنة 1976 وإجراء انتخابات نزيهة وحرة وفقا للمبادئ الواردة للانتخابات الدولية السابق الإشارة إليها فى الدورة النقابية 2011/2006، ولكن أجريت الانتخابات بنفس النسق السابق حتى طالتها الأحكام القضائية بالبطلان للجان النقابية وهى تمثل قاعدة الهرم فى البنيان النقابى وكذلك النقابات العامة والاتحاد العام لنقابات العمال على النحو الوارد فى قرار الحل.
– وجدير بالذكر أن قيادات هذا الاتحاد المنحل بالتعاون مع وزير القوى العاملة عام 1993 سعت إلى شخصنة قانون النقابات رقم 35 لسنة 1976 بإزالة القيود عن ترشيح كل من بلغ سن المعاش بالتعديل الذى تم بمقتضى القانون 12 لسنة 1995 والذى بموجبه تم إعطاء الحق فى الترشيح لهم طالما حصل على عقد عمل فى إحدى المنشآت وكلها «عقود صورية» وهذا يمثل خرقا لمبدأ ديموقراطية العمل النقابى وتداوله بين الأجيال ووجد النظام السابق أن ذلك يحقق مصلحته فى استمرار هذه القيادات الضامن لولائها والمطيعة لتنفيذ سياسته الاقتصادية وبيع شركات القطاع العام وفى أغلب الأحيان بالسعر الدفترى والتخلص من العمال تحت نظام المعاش المبكر الذى كان فى ظاهره الرحمة وأنه اختيارى ولكن فى الحقيقة أنه كان إجباريا للعمال مما يفسر لنا العديد من الإضرابات والاعتصامات فى الوسط العمالى خلال العشر سنوات السابقة على ثورة 25 يناير.
– وعليه فإن قرار حل مجلس إدارة الاتحاد العام لنقابات العمال مصدره هو القضاء المصرى الذى يجب احترام أحكامه وضرورة تنفيذها وألا يتعرض كل من لا يحترم هذه الأحكام ويمتنع عن تنفيذها للعقوبة المنصوص عليها فى المادة 123 من قانون العقوبات المصرى والتى جرى نصها على ما يأتى:
«يعاقب بالحبس والعزل كل موظف عمومى استعمل سلطة وظيفته فى وقف تنفيذ الأوامر الصادرة من الحكومة أو أحكام القوانين واللوائح.. أو رفض تنفيذ حكم أو أمر صادر من المحكمة أو من أى جهة مختصة… كذلك يعاقب بالحبس أو العزل كل موظف عمومى امتنع عمدا عن تنفيذ حكم أو أمر مما ذكر بعد مضى ثمانية أيام من إنذاره على يد محضر إذا كان تنفيذ الحكم أو الأمر داخلا فى اختصاص الموظف».
وحيث تم إعلان وزير القوى العاملة لهذه الأحكام فلم يكن أمامه من خيار سوى احترام أحكام القضاء تأكيدا لمبدأ سيادة القانون وإعلاء شأنه حيث كان ذلك أحد مطالب ثورة 25 يناير.
– ومن ثم فإن الاتهام الموجه لوزير القوى العاملة بإصدار قرار بحل مجلس إدارة الاتحاد مما يمثل اعتداء على الحريات النقابية عار تماما من الصحة حيث أشار القرار فى ديباجته إلى الأحكام الصادرة بإبطال الانتخاب الدورة النقابية 2011/2006.