يدهش المرء خلال تجواله في منطقة الأغوار؛ حيث المياه العذبة القادمة من الينابيع تذهب للمستوطنات الزراعية، والمصيبة الأكبر هو استغلال أكثر من 3000 عامل وعاملة من قبل سماسرة العمال في العمل في حدائق المستوطنين ومزارعهم لجني ثمار الأشجار الطيبة في الأرض الفلسطينية التي اغتصبت بقوة السلاح.
ويتحدث العمال عن أوجه متعددة من هدر لحقوقهم واستغلالهم المتواصل من قبل سماسرة العمال، والتي تصل حد الإسقاط في أوحال “الشين بيت” في ظل غياب رسمي فلسطيني، وعدم وجود خطط وبرامج لتشغيلهم في الأغوار ومنطقة أريحا.
وتعمل منى فايز (25 عاما) من أريحا في حقل أحد المستوطنين من قبل أحد المقاولين والذي يحاول دائما استغلالها بعدة شواقل وهضم حقوقها، وعدم دفع أجرتها بالكامل، حيث يدفع في الساعة 6 شيقل فقط، وعند احتجاجها واعتراضها يقول لها:” ما بدك في غيرك كثير ينتظروا فرصة عمل”.
ولفتت إلى أن المشغلين من المستوطنين يستغلون العمال بشكل دائم حتى في الأمور الأمنية، وأن عدداً منهم هم من ضباط المخابرات، وأن نساء تحدثن لها عن محاولة إسقاطهن جنسيا من قبل مشغليهن.
ويؤكد المسئول النقابي محمود عبد الله، من أريحا، أن الاستغلال ليس فقط للنساء؛ بل حتى للرجال والأطفال، حيث يستغل المشغلون قلة فرص العمل والبطالة في منطقة الأغوار، ومن ثم يخفضون الأجرة اليومية، وبلا عقود أو حقوق لاحقة، وحتى في إصابات العمل يتهرب منها المشغلون وسماسرة العمال.
ولفت إلى أن الأطفال الأكثر استغلالًا من قبل مشغليهم لغياب الوعي القانوني لنيل حقوقهم أو لغياب الوعي الأمني، وعدم إسقاطهم أحيانا في وحل الخيانة.
ويوثق تقرير صادر عن المكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان تزايد اعتداءات المستوطنين في منطقة الأغوار، ومواصلة المستوطنين من مستوطنة (ايطاف) اعتداءاتهم في منطقة الديوك شمال أريحا ومحاولتهم لسرقة الأراضي كي يزرعوها ويحولوها إلى حقول زراعية تتبع لهم.
وأكد التقرير مواصلة جرافات الاحتلال “الإسرائيلي” تجريف مساحات واسعة من أراضي الأغوار القريبة من بلدتي الجفتلك وعقربا، وتحضيرها للزراعة من قبل المستوطنين، وتحضير الأراضي لزراعتها بالنخيل والبعض الآخر بالخضروات، وتقدر الأراضي المهددة بالتجريف والاستغلال من قبل الاحتلال بـ2000 دونم.
دراسة توثيقية
وتوثق دراسة أعدها “الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين” في أريحا والأغوار أن ثلاثة آلاف عامل وعاملة من أريحا والأغوار ومحافظة طوباس يعملون في المستوطنات الإسرائيلية بشكل دائم وطوال العام في التحضير للزراعة وقطف الخضروات، بينما يرتفع عدد العاملين إلى 7 آلاف في أوقات قطف محصولي التمور والعنب.
وتحصي الدراسة وجود 36 مستوطنة في منطقة الأغوار، تنهب وتستنزف أخصب الأراضي الفلسطينية.
وعن أوضاع العمال، بينت أن العمال الفلسطينيين الذين أجبرتهم الظروف وارتفاع نسب البطالة وشظف العيش على العمل في المستوطنات “الإسرائيلية”، يدركون أن المستوطنات وجودها غير شرعي، وأن عملهم الاضطراري واقع لا يمكن إنكاره ولقمة عيشهم ممزوجة بالابتزاز والاستعباد من قبل المشغلين المستوطنين.
وتنتج مزارع وحقول المستوطنين كافة أنواع المحاصيل الزراعية في الأراضي المستولى عليها، والتي تروى بالمياه المصادرة من مصادر المياه الفلسطينية، ومنها حصة مياه فلسطين في نهر الأردن بالإضافة إلى مياه الينابيع والآبار الارتوازية.
مخاطر لا تتوقف
وقال رئيس الاتحاد في أريحا وائل نظيف في الدراسة، إن هؤلاء العاملين يعملون في ظروف عمل سيئة وخطيرة حيث يتعرضون لأخطار التسمم من المواد الزراعية والمبيدات والأسمدة، وكذلك التعرض لإصابات قاتلة من المعدات والآليات الزراعية، حيث يستخدم المشغلون في المستعمرات الإسرائيلية العمال ثم يرمونهم عند إصابتهم في العمل.
أما الإشكاليات التنظيمية والإدارية التي تواجه هؤلاء العاملين فإنها أخطر عليهم نتيجة وتأثيرا، حيث يتم استغلال الأطفال والنساء في أعمال وظروف عمل صعبة ودرجات حرارة عالية، كذلك يفقد جميع العاملين حقوقهم القانونية بسبب لجوء أصحاب العمل الإسرائيليين إلى أساليب قذرة للتخلص من أعباء التشغيل وما يترتب عليه من حقوق وواجبات لأطراف العمل، كما تنص عليها قوانين العمل السارية المفعول في مستوطنات الأغوار.
ممارسات قذرة
وأفاد العديد من العاملين في المستوطنات بأن هناك العديد من الممارسات “القذرة” بحقهم من قبل “السماسرة” العرب أو كما يطلق عليهم “المعلمين” الذين يتنافسون في خدمة المشغل الإسرائيلي وتقليل التزاماته تجاه العمال وتشغيل الأطفال والنساء بأجرة زهيدة.
وقال نظيف إن الاتحاد لا يشجع العمل في المستوطنات “قطعيا”، بينما يتوجب عليه مساعدة العاملين هناك وتثقيفهم وتمكينهم والدفاع عن حقوقهم طالما بقوا هناك في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها العاملون، جراء سياسات الاحتلال وعدم توفر فرص عمل في الأغوار، والتي فرضت عليهم العمل في المستوطنات
Leave a Reply