واصل عمال مصر نضالهم لفرض وجود التنظيمات النقابية، رغم عدم وجود تشريعات عمالية تسمح بقيام النقابات، وتكلل كفاحهم بصدور عدد من القرارات التشريعية مثل قرار مجلس الوزراء عام 1919 بتشكيل (لجنة للتوفيق بين العمال واصحاب الأعمال) توصلت إلى العديد من الاتفاقيات لعمال المؤسسات العامة مثل: الترام والمياه والنور والدخان، وعملت على مضاعفة الجور، وتحديد ساعات العمل، والأجازات السنوية، ومكافأة نهاية الخدمة، وإصابات العمل.. الخ.
وانتشرت النقابات على نطاق واسع فتكونت نقابات لعمال النسيج وعمال فن المعمار ومستخدمى المحلات التجارية وعمال المحالج والمكابس وعمال شركات السكر وعمال العنابر والسكك الحديدية.. ووصل عدد النقابات فى مدينة الإسكندرية الى 32 نقابة، ووجدت نقابات فى الغربية والشرقية وكوم امبو وسعى حزب الوفد بقيادة سعد زغلول للعمل المنظم فى صفوف الحركة العمالية حتى تشكلت بكل حرفة نقابة، ولقد تكللت جهود حزب الوفد بتكوين اتحاد للعمال فى 15 مارس 1924 باسم الاتحاد العام لنقابات عمال القطر المصرى، بعد أن قضت الحكومة على المحاولة الأولى لتأسيس الاتحاد عام 1921، وقد وضع الاتحاد الجديد فى مقدمة أهدافه الإشراف على نقابات العمال، والاتصال بالاتحادات العمالية فى بلاد العالم والاشتراك فى مؤتمراتهم بجانب الدفاع عن مصالح العمال، وتأليف لجنة برلمانية لخدمة أغراضهم المشروعة والسعى لاعتراف الحكومة بهيئاتهم وإيجاد تشريع خاص لحماية العمال وتوحيد مجهوداتهم.
ولأول مرة يشترك العمال – كقوة مستقلة – من خلال اتحادهم عام 1925 فى معركة الانتخابات لاختيار نواب يمثلونهم داخل مجلس النواب وتقدم للترشيح باسم العمال اثنا عشر مرشحا وتشكلت لجنة باسم (لجنة الدفاع عن حقوق العمال والفلاحين) تبنت العديد من المطالب لحماية العمال وتنظيماتهم النقابية وسعت لسن التشريعات التى تحمى العامل وطالبت بإنشاء مكتب للعمل.
وهكذا نرى أن العمال قد نالو حقهم فى وجود تنظيمات نقابية تدافع عنهم وتعبر عن مصالحهم وتقودهم إلى سبيل الرشاد وتقودهم بقوة ليس بقوة القانون وإنما من خلال الكفاح المشترك والنضال المستمر، ولم يتخل العمال عن حقهم فى التنظيم رغم كل ألوان القهر والبطش الذى لاقته التنظيمات العمالية بعد سقوط وزارة (سعد) وتولى (زيوار) الوزارة، الذى قابل بعنف كل التحركات العمالية التى شهدتها هذه الفترة خاصة فى عام 1927 وهو ما أدى فى النهاية إلى حل هذا الاتحاد.
وخلال هذه الفترة تزايد لدى عمال مصر الإيمان بقضية (الاستقلالية) عن النشاطات الحزبية، وتوافر لدى النقابيين اقتناع بأن كل نشاط حزبى إنما يضعف كل نضال من أجل وحدة الصف العمالى ومن أجل قيام تنظيمات قوية موحدة لا تعرف غير التقدم للأمام من أجل مطالب العمال.
وفى أوائل الثلاثينات كان للحركة العمالية المصرية دور بارز فى النضال الشعبى وقادت العديد من الإضرابات العمالية التى لم تقتصر مطالبها على النواحى الاقتصادية، بل تعدتها إلى المطالب السياسية، وشهدت القاهرة والإسكندرية آلاف الإضرابات العمالية وسجلت الموجة الإضرابية تصاعدا ونموا أجبر الحكومة على تشكيل لجنة تكون مهمتها (بحث الأسباب التى تؤدى إلى الإخلال بما يجب أن يتوافر بين العمال وأصحاب الأعمال من علاقات طيبة والسعى نحو الوصول إلى اتفاقيات من شأنها توطيد هذه العلاقات وذلك لحين صدور تشريع ينظم علاقات عمل).
وفى 8 مايو 1928 أعلنت النقابات إضرابا عاما للمطالبة بإصدار تشريع للعمل، وسارت مظاهرة كبيرة اشتركت فيها نقابات العمال بأعلامها وطافت المظاهرة على مجلس الوزراء والوزارات ودور الصحف والقصر الملكى وقدمت مطالبها (الاعتراف بالنقابات العمالية، إعادة النظر فى قانون إصابات العمل، مراقبة تنفيذ تعليمات وقرارات مصلحة العمل، تحديد ساعات العمل بثمانى ساعات، حل مشكلة البطالة) وقد وقع على هذه المطالب نقابات عمال الدخال والأمنيبوس والتجارة والصباغة والنحاس والفنادق وعنابر السكك الحديد والطباعة والنور والمخابز والزخرفة والمحال التجارية والنسيج.
وفى 13 يونيو 1929 بدأت مجموعة من القيادات العمالية إضرابا عن الطعام تنفيذا لقرار اتخذه مجلس الاتحاد العام لنقابات العمال، جاء فيه: (أن مجلس الاتحاد العام لنقابات العمال قد اجتمع واستعرض جميع الأدوار التى مرت على جهاد العمال فى سبيل العمل على استصدار تشريعاتهم، وخصوصا قانون الاعتراف بالنقابات وقرروا الإضراب عن الطعام حتى تصدر تشريعاتهم) واستمر الإضراب خمسة أيام.. وتحت تأثير هذه الحركة أحيل مشروع قانون النقابات إلى مجلس النواب فى يوليو 1939 وتمت مناقشته فى أوائل عام 1940 وأقره المجلس فى 28 فبراير 1940 ولكنه تعطل فى مجلس الشيوخ.
مع قيام الحرب العالمية الثانية صدر امر عسكرى بوقف الإضراب وقفا مطلقا، بيد أن العمال لم يتوقف نضالهم من أجل حقوقهم ولجأوا إلى أساليب عمل جماعية أخرى مثل: تشكيل الوفود أو عقد الاجتماعات وتقديم الطلبات المشتركة التى تتضامن فيها النقابات مع بعضها.
واستمر النضال العمالى المصرى، حتى صدر القانون رقم 85 لسنة 1942 والذى يمثل صدوره مكسبا على طريق النضال العمالى الطويل والشاق حيث اعترف بالنقابات العمالية لأول مرة..وهكذا أصبح للعمال تنظيم نقابى قوى حر ومستقل لا تحكمه غير لائحته وإرادة أعضائه.
Leave a Reply