فى آخر مارس عام 1882 قام عمال تفريغ الفحم فى بورسعيد بالإضراب عن العمل وحددوا هدفين، الأول هو المطالبة بالحصول على الأجر مباشرة من الشركات حيث كان العمال يشتغلون عن طريق مكاتب حرفية للفحم يديرها مقاولون أو معلمون، والثانى برفع الأجر المدفوع من الشركات الأجنبية، وبذلك فقد كان هذا الإضراب موجها ضد الشركات الأجنبية وكان لهذا الإضراب صدى لدى الحكومة المصرية، مما حدا بها، آنذاك، إلى إصدار قرار بتشكيل لجنة توفيق للنظر فى النظام المعمول به، وإزاء إصرار العمال على موقفهم أعلنت الشركات الأجنبية قبولها لإلغاء نظام التشغيل للعمال عن طريق المكاتب ودفع الأجر إليهم مباشرة ولكنها رفضت المطلب الخاص بتحسين الأجور ورفعها وبذلك نجح أول إضراب عمالى فى مصر بتحقيق بعض أهدافه.

لقد كان هذا الإضراب مواكبا لفترة تاريخية غنية بالكفاح، وفى ذلك العام 1882 قامت الصورة العرابية ووجد العمال فى الثورة العرابية طريق خلاص من الاستغلال الرأسمالى الأجنبى، وفى 30 يوليو 1882 أقيم فى الإسكندرية احتفال عمالى أبدى فيه العمال تضامنهم مع النضال الوطنى ومباركة للزعيم أحمد عرابى.. وبذلك أضفت الرحكة العمالية مضمونا سياسيا على كفاحها الاقتصادى الموجه أساسا إلى الرأسمالية الأجنبية فى هذه الحقبة التاريخية الخصبة من تاريخ الشعب المصرى.

وهكذا يتبين لنا أن نشأةالطبقة العاملة المصرية كان بمثابة قوة اجتماعية جديدة أضيفت للمجتمع المصرى وأخذت مكانتها وارتبطت بعلاقة وثيقة مع طبقة الفلاحين الذين كانوا يمثلون الخلفية البشرية لميلادها وأنها نشأت فى كنف المرافق والمشاريع الصناعية الأمر الذى وضعها منذ مولدها فى موضع الاستغلال والتعسف الأجنبى فحملت وهى فى مهدها بذور عدائها للاستعمار.

كما كان نشأة الطبقة العاملة واطراد نمو وعيها بوجودها ووحدة مصالحها، أن دفعها ذلك إلى إنشاء التنظيمات الخاصة بها لتحقيق تضامنها ودعم كفاحها الاقتصادى، فكانت أكثر طبقات المجتمع المصرى تطلعا وثورية، كما كانت الصورة القاتمة لأحوال العمل وشروطه المحرك الأساسى والدافع لظهور الحركة الجماعية من أجل تحسين شروط العمل والمطالبة برفع الأجور وخفض ساعات العمل.

لقد ناضل عمال مصر من أجل الاعتراف بحقهم فى التوحد وكانت إضراباتهم مؤشرا لأهمية التنيم الاجتماعى، وبدأ التاريخ النضالى لعمال مصر بصفحة زاخرة تدعو إلى (التضامن) و(الوحدة) و(الالتقاء) نحو هدف واحد، وبنمط ديمقراطى فريد.