للوهلة الأولى، تبدو الشوارع المفعمة بالحركة في مدينة إربد شمالي الأردن كأي شوارع أخرى في أي مدينة في باقي أنحاء البلاد، إذ تصدح حناجر الباعة المتجولين وهم يعرضون بضاعتهم على الأرصفة، وتعج مقاهي الإنترنت بطلاب الجامعات، كما تتزاحم السيارات في الشوارع المزدحمة.
لكن ما يجعل إربد تختلف اختلافاً كبيراً عن أخواتها من المدن الأردنية هو أنها تستضيف حاليًا أكثر من 170000 لاجئ سوري هربوا من الصراع الدموي المحتدم في بلدهم. وبحسب وزارة التخطيط الأردنية، يشكل اللاجئون السوريون الآن أكثر من 40 في المائة من سكان إربد، ما أرهق كاهل البنية التحتية للمدينة بشكل كبير.
وقال بسام فريحات نائب محافظ إربد: “إن ارتفاع أعداد اللاجئين في المحافظة يعني تضرّر جميع الخدمات في المنطقة، وزيادة حدة المنافسة في سوق العمل”.
وقد أدى وصول اللاجئين أيضاً إلى ارتفاع حاد في نسبة البطالة في المجتمعات المحلية المضيفة في الأردن بسبب زيادة المنافسة للحصول على عمل. كما تراجع متوسط الأجور في هذه المجتمعات، فيما ارتفعت تكاليف السلع والخدمات.
ووفقًا لفريحات، تقدم إربد المساعدة للاجئين قدر المستطاع، بيد أنها بحاجة أيضاً إلى دعم يستهدف الأردنيين ذوي الدخل المحدود في سوق العمل. ويضيف: “تتمثل إحدى طرق تخفيف الضغط في إقامة مشاريع تزيد فرص عمل الأردنيين وتحسن اقتصادنا المحلي في المنطقة”.
شرعت منظمة العمل الدولية، في محاولة منها لمواجهة أثر تدفق اللاجئين السوريين على سوق العمل الأردني، منذ شهر أيلول/سبتمبر 2013 بإطلاق سلسلة تدابير تدعم المجتمعات المحلية في المحافظتين الشماليتين إربد والمفرق اللتين تستضيفان معاً نحو نصف اللاجئين السوريين في الأردن. وتهدف هذه التدابير إلى الحد من أثر أزمة اللاجئين السوريين على الأردن بتعزيز إمكانية حصول القاطنين في المجتمعات المحلية المضيفة على فرص العمل وسبل العيش. وتركز منظمة العمل الدولية بوجه خاص على شرائح المجتمع ذات الدخل المتدنّي والتي تواجه منافسة حادة في سوق العمل نتيجة لتدفق اللاجئين.
وتقدم منظمة العمل الدولية بشكل رئيسي دورات تدريبية نظرية وعملية لرفع سوية الوعي وزيادة إنتاجية الصناعات المحلية من خلال دراسة مختلف مراحل سلسلة القيمة الاقتصادية، ومنها المدخلات، والإنتاج، والتوزيع، وتجارة التجزئة، وخدمات الدعم. ويتركز الدعم على قاطنين محليين في سبعة مقاطعات في إربد تجاوزوا فعلاً مرحلة التعليم الأساسي، مثل خريجي التعليم المهني الزراعي أوخريجي التعليم الثانوي التقني.
وتقول مها قطاع منسقة برنامج منظمة العمل الدولية لشؤون اللاجئين السوريين في الاردن: “نحن نسعى إلى بناء قدرة المجتمعات المحلية المضيفة على التكيف مع الديناميات الجديدة في سوق العمل عبر تعزيز فرص الحصول على عمل من خلال التدريب والتوجيه المكثف. ونحن نستهدف أيضاً الفئات السكانية الأكثر هشاشةً كالشباب العاطلين عن العمل لأنهم الأكثر تضرراً من الوقائع الجديدة في سوق العمل”.
وأجرت منظمة العمل الدولية، كجزء من جهودها تلك، سلسلة مشاريع تشاركية لتطوير سلاسل القيمة بهدف تنمية القطاعات الاقتصادية الفرعية الإستراتيجية المحلية الأكثر ارتباطاً بخلق فرص عمل جديدة وبالتنافسية. وفي الاربد، اختارت منظمة العمل الدولية مساعدة المجتمع المحلي من خلال تعزيز جودة وإنتاج الزيتون الذي يزرعه أردنيون ذوو دخل محدود. ووفقًا للمركز الوطني للبحوث والإرشاد الزراعي في الأردن، وهو هيئة حكومية للبحوث الزراعية، يقع نحو نصف أشجار الزيتون في الأردن والمقدر عددها بسبع عشرة مليون شجرة في شمالي البلاد. وتشكل أشجار الزيتون في إربد 95 في المائة من إجمالي الأشجار المثمرة.
أما في المفرق، فتعمل منظمة العمل الدولية مع المزارعين على زيادة إنتاج البندورة باستخدام البيوت البلاستيكية. تُزرع معظم الأراضي المروية في المفرق بالبندورة، وهو قطاع زراعي فرعي اعتبرته منظمة العمل الدولية وبالتشاور مع شركائها المحليين أو أصحاب المصلحة المحليين مصدراً هاماً لدخل المجتمع المحلي مع احتمال نمو فرص العمل، لاسيما بين النساء. وتُعتبر هذه الجهود جزءاً من برامج أوسع نطاقاً تتبع لمنظمة العمل الدولية وتهدف إلى تنمية سلاسل القيمة في المجتمعات المحلية الأردنية المضيفة للاجئين وبحيث تغطي عدداً من القطاعات الاقتصادية الأخرى.
وتضيف قطاع: “نحن نأمل من خلال تحسين سلاسل القيمة في زيادة مهارات الأردنيين ذات الصلة بسوق العمل بما يسمح لهم بدخولها. ويكمن الهدف في إربد في تزويد السكان بمهارات التقليم ومعارفه لتحسين فرصهم في الحصول على عمل كمقلّمين في مناطقهم”.
وجرت إحدى دورات التدريب الأخيرة بالاشتراك مع مديرية الزراعة والمركز الوطني للبحوث والإرشاد الزراعي، حيث دُرب 36 رجلاً على كيفية تقليم أشجار الزيتون بشكل صحيح بعد موسم الحصاد.
وتقول عبير حسين الجندي وهي خبيرة زراعية تعمل مع المركز: “يتمتع كثير من المزارعين بمهارات عملية جيدة في التقليم، لكن تنقصهم المعرفة النظرية فيه، ما يعرضهم لارتكاب أخطاء تؤثر على سلامة الأشجار على المدى الطويل. ويركز مشروع منظمة العمل الدولية على مساعدة المجتمعات المحلية المضيفة، وهذه طريقة رائعة لعمل ذلك لأن عائلات بأكملها في إربد تعتمد على إنتاج الزيتون وزيت الزيتون”.
وقد حصل محمد الدبك البالغ من العمر 18 عاماً على طقم من الأدوات الزراعية وشهادة لدى إتمامه الدورة التدريبية، وهو يستفيد منها إلى درجةٍ كبيرة، إذ يقول: “آمل أن تفتح هذه الدورات التدريبية الأبواب أمام فرص العمل، خصوصًا في مجال الزراعة
والزيتون على وجه الخصوص لأنه جزءٌ كبيرٌ من اقتصادنا. أنا أعمل في مجال أشجار الزيتون منذ مدة، لكن كانت تنقصني المعرفة في عدة جوانب للتقليم، من قبيل ما هي أفضل الطرق لقطع فروع الأشجار من أجل تحسين سلامة الشجرة أو المحافظة عليها”.
وتُعتبر أنشطة منظمة العمل الدولية مشاريع تجريبية حالياً تمهد الطريق لمشاريع مستقبلية مقررة، ومنها العمل مع المزارعين على الممارسات الزراعية الصحيحة، وتنمية سلاسل القيمة، وتدريب النساء على إنتاج الصابون ومستحضرات التجميل من زيت الزيتون.
ويأمل علي أبو نكتة رئيس مكتب زراعة إربد أن تواصل منظمة العمل الدولية دعمها لطموحات صناعة الزيتون، حيث يقول: “نحن نريد توسيع نطاق منتجاتنا كي تصبح قادرة على منافسة السلع المستوردة على المستوى العالمي، سواءٌ من حيث الأسعار أو المعايير”.
المصدر | منظمة العمل الدولية