خطاب الرئيس إلى الدورة ١٠٢ لمؤتمر العمل الدولي

إنّ انتخابي رئيساً للدورة الثانية بعد المائة لمؤتمر العمل الدولي لهو شرفٌ أعتز به وتفتخر به بلادي، المملكة الأردنية الهاشمية بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين.

وأود أن أعرب عن عميق امتناني لحكومات مجموعة آسيا والمحيط الهادئ، على تلطفها بترشيحي لهذا المنصب ودعم هذا الترشيح.

وأود أن أعرب كذلك عن خالص شكري لمجموعة الحكومات لترشيحي لهذا المنصب، ولمجموعة أصحاب العمل ومجموعة العمال، وللمجموعات الإقليمية الأخرى على دعمها ترشيحي.

وأود أن أقدم جزيل الشكر لكم جميعاً للثقة التي منحتموني إياها ومنحتموها لبلدي. وأؤكد لكم جميعاً التزامي بأن أكون على قدر الثقة التي منحتموني إياها وسوف أضطلع بمهام الرئاسة بكل ما أوتيت به من روح التواضع والمسؤولية والعزم.

حضرات المندوبين الموقرين، إنّ بلدي الأردن يقدّر تقديراً بالغاً العلاقات المتينة والمميزة التي ما فتئت تربطه بمنظمة العمل الدولية منذ أكثر من نصف قرن. ونحن فخورون بالتزامنا الثابت بالمبادئ التي تكرسها منظمة العمل الدولية.

إنّ الأردن، بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين، ما فتئ يشهد تغيرات وإصلاحات مستمرة على الصعيد السياسي والاجتماعي والاقتصادي. أما آخر هذه التطورات فهو إنشاء لجنة للحوار الوطني لإجراء الانتخابات، ومراجعة الدستور بغية استكشاف سُبل إدخال تعديلات محتملة عليه من أجل إضفاء السمة المؤسسية على العمل ووضع معايير برلمانية ديمقراطية تعددية. ومن الجدير التنويه به أيضاً هو تسريع وتيرة الجهود الرامية إلى القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة واللجوء إلى الحوار كآلية تواصل بين الشباب والدولة من أجل ضمان إسماع صوتهم وإيصال آرائهم.

إنني على يقين أنّ هذه المناسبة تستدعي بوجاهة أن أستشهد ببعض ما أدلى به جلالة الملك خلال الدورة الحادية والتسعين لمؤتمر العمل الدولي في حزيران/ يونيه ٢٠٠٣ . وقال جلالة الملك آنذاك، وأقتبس تحديداً ما يلي: “بيدنا أن نستحدث اقتصاداً إنمائياً عالمياً يوفر للناس الوظائف التي يحتاجونها، من أجل توفير لقمة العيش لأسرهم وتحسين ظروف عيشهم. ولا بد من وجود شبكات أمان، على المستويين الوطني والدولي، يمكنها التصدي للاختلالات الاجتماعية والاقتصادية الناشئة عن العولمة، وتتيح الحصول على التعليم والتكنولوجيات التي تفتح الأبواب أمام الغد؛ ولعل الأهم من ذلك أنها توفر العدالة لتظهر للناس، ولاسيما الشباب منهم، أنّ عالمنا هو عالمٌ يتسم بالإنصاف والأمل”، نهاية الاقتباس.

وإنني فخورٌ بأن أذكر أنّ جلالة الملكة رانيا هي من أبرز أعضاء مجموعة رفيعة المستوى من رؤساء الدول والسيدات الأوليات، ممن اضطلعوا بدور نشط في الجهود التي بذلتها منظمة العمل الدولية لمكافحة عمل الأطفال في كافة أنحاء العالم.

حضرات المندوبين الموقرين، إنّ هذه الدورة لمؤتمر العمل الدولي ترتدي طابعاً خاصاً وتتسم بأهمية استثنائية، إذ تمثل المؤتمر الأول الذي تعقده منظمة العمل الدولية وعلى رأسها المدير العام الجديد، السيد غاي رايدر، الذي تم انتخابه في جو حافز من الإصلاح والشفافية.

وهذا المؤتمر سيكون أول مؤتمر يطبق الإصلاحات التي وافق عليها مجلس الإدارة من أجل تحسين سير أعماله والإجراءات المتبعة فيه، ويتيح للهيئات المكونة الثلاثية بأن تضطلع بمهامها من حيث مسؤوليات الإدارة السديدة على نحو أفضل. وتتناول دورة هذا العام تحديداً موضوع العمالة والحماية الاجتماعية في السياق الديمغرافي الجديد، وهو موضوع أساسي سيكون على منظمة العمل الدولية إدراج نتائجه في برامج عملها، استناداً إلى الولاية التي تنص عليها أصلاً التوصية رقم ٢٠٢ بشأن أرضيات الحماية الاجتماعية لصالح الجميع، وهي توصية اعتُمدت العام المنصرم.

إنّ الجلسة العامة لمؤتمر العمل الدولي سوف تُعقد تحت عنوان “قمة عالم العمل”. وسيشارك في هذا المؤتمر عددٌ من رؤساء الدول وغيرهم من الشخصيات المرموقة، وسيخاطبون المؤتمر ويتفاعلون في منتدى منظمة العمل الدولية لطرح أفكارهم والإعراب عن وجهات نظرهم بشأن مواضيع هامة تثير قلق الهيئات المكونة الثلاثية في مختلف البلدان حول العالم.

وأخيراً وليس آخراً، أمامنا تقرير المدير العام بعنوان “نحو مئوية منظمة العمل الدولية:

الحقائق والتجدد والالتزام الثلاثي”. وأود أن أشكر المدير العام على التقرير الذي أعده وأن أتوجه إليه بتحية تقدير إذ زوّد مؤتمرنا الكريم بوثيقة تقدم للهيئات المكونة الثلاثية عناصر أساسية لوضع خارطة طريق من أجل نشاط منظمة العمل الدولية وأهدافها في المستقبل.

وأمام هذه الدورة مقترحات البرنامج والميزانية للفترة ٢٠١٤- 2015، وفى هذا الصدد أود أن أستشهد بما جاء على لسان المدير العام في مقدمة تقريره حيث قال “مقترحات البرنامج والميزانية للفترة 2014- ٢٠١٥، تستند إلى الإصلاح وترسي أولويات واضحة يمكن للمنظمة أن تركز جهودها وأن تحسن ما تقدمه إلى الهيئات المكونة من خدمات.” وعليه، أتمنى أن ترتدي مناقشة هذا الموضوع طابعاً إيجابياً وبنّاءً، آما آانت عليه الحال في الدورة الأخيرة لمجلس الإدارة.

وإنني أرى في ظل الظروف الحالية، أنّ واجبي والتزامي يمليان عليّ أن أتوجه إلى الهيئات المكونة الثلاثية مناشداً إياها أن تبذل قصارى جهدها بغية تسوية الجدل القائم بشأن لجنة الخبراء المعنية بتطبيق الاتفاقيات والتوصيات. إنّ علينا أن نجد حلاً للمشاكل المطروحة بأسرع وقت ممكن، من خلال إقامة حوار مثمر وبنّاء.

وأود كذلك استرعاء الانتباه إلى تقرير المدير العام عن وضع العمال في الأراضي العربية المحتلة. وأنني على يقين من أن المندوبين الكرام مهتمون في أن يكونوا على بيّنة من مضمونه.

حضرات المندوبين الموقرين، إنّ الأزمات الاقتصادية والمالية التي شهدها العالم عام ٢٠٠٨ ومأساة البطالة الجماعية التي استشرت من جراء ذلك في بلدان عديدة، سلطت الضوء على أهمية منظمة العمل الدولية والدور الحيوي الذي تضطلع به عالمياً على المستوى الاجتماعي والاقتصادي. وحسبما جاء على لسان المدير العام، “ما يكون مهماً عملياً هو التوجه الذي ينتهجه المجتمع بالنسبة إلى العدالة الاجتماعية، وبالنسبة لأهدافنا المحددة، مساهمة منظمة العمل الدولية في هذه الدينامية من خلال عالم العمل.”

إنّ نجاح هذه الدورة عالية الأهمية يتوقف على آل واحد منا من خلال التزامنا بالعمل معاً من أجل دعم مبادئ منظمة العمل الدولية ولاسيما سمتها الفريدة وقوتها الدافعة، ألا وهي الهيكل الثلاثي.

وأخيراً، أود أن أجدد شكري لما أسبغتموه عليّ وعلى بلادي من شرف عظيم، حين سلمتموني مقاليد رئاسة مؤتمر العمل الدولي.